سنن النصر

خطبة الجمعة سنن النصر

الخطبة الأولى

  الحمد لله الذي اشترى من المؤمنينَ أنفسَهم بأن لهم الجنة، وجعل الجهادَ في سبيلِه باللسانِ والسِّنان سببًا لدخولِ الجنة، وحفظَ عبادَه الصالحينَ من شرورِ الناسِ والجنّة، نحمده تعالى بأن هدانا لهذا الدينِ دين الإسلامِ ونشكرُه على هذه المنّةِ. وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، ولا ضدَّ ولا ندّ ولا زوجةَ ولا ولدَ ولا هيئةَ ولا زمانَ ولا مكانَ له؛ شهادةً بها النفوسُ مطمئنةٌ، وأشهد أن سيدَنا وحبيبَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، من أيّده ربّه ونصره فأقامَ الفرضَ والسنة، اللهم صلِّ وسلِّم وأنعمْ وأكرمْ وباركْ على سيدنا محمدٍ وعلى ءالِه وصحبِه حماةِ الدينِ والسنة.

عبادَ اللهِ أوصيكم ونفسيْ بتقوى اللهِ العظيم، اتقوا اللهَ تعالى في السرِّ والعلنِ، اتقُوا اللهَ تعالَى القائلَ في كتابهِ العظيمِ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(ءال عمران:102). وتذكّرْ أخي المسلم قولَ اللهِ تعالى: {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}(المجادلة:6).

  إخوة الإسلام: روى الإمام أحمد في مسندِهِ وأبو داود في سننِهِ واللفظُ له أن رسولَ اللهِ ﷺ قال: “يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا”فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟قَالَ ﷺ:“بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ”فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ؟ فقَالَ ﷺ: “حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ” فأساسُ كلِّ مصيبةٍ حلّت في هذه الأمةِ هو الوهن، أي أن كثيرًا منّا أحبُّوا الدنيا وكرهوا الموت، أي كرهوا الموتَ في سبيلِ الله تعالى، فواللهِ لو أننا أحببنا الموتَ في سبيلِ الله تعالى وكرهنا الدنيا أي تركناها لأجلِ الآخرةِ؛ لأمدّنا الله تعالى بالنصرِ، فهذا سيدنا خالدُ بن الوليد رضي الله عنه يقولُ لكسرى وقيصرَ قبلَ أن يُقاتِلَهما: لقد جئتكمْ بأناسٍ أحرصَ على الموتِ منكم على الحياة(1)، ولكن حالُنا اليوم أن كثيرًا منا أحبَّ الدنيا وتعلّق بها، فكم من شخصٍ باعَ دينَه بعرضٍ من الدنيا قليل، وأعجبُ منه من باعه بدنيا غيرِهِ نسألُ اللهَ السلامة.

  أيها المسلمون: يقولُ اللهُ تباركَ وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8)}(سورة محمد) واسمعْ معي جيّدا أخي لمعنى هذه الآيةِ العظيمةِ والتي فيها أحدُ أهمِّ أسبابِ النصرِ على الكافرين، فاللهُ تعالى جعلَ شرطَ تحقيقِ النصرِ منه تعالى أن ننصرَهُ عزّ وجلّ، ولا شكَّ ولا ريبَ أن الله تعالى لا ينتفِعُ من خلقِهِ فهو سبحانه وتعالى ليس بحاجةٍ لأحدٍ من خلقهِ، فنصرتُنا للهِ تعالى تكونُ باتّباعِ أوامرِهِ عزّ وجلّ والابتعادِ عن معصيتِهِ عزّ وجلّ، فهذا الصحابيُّ الجليلُ عبدُ اللهِ بنُ رَواحةَ رضي الله عنه يقولُ للمسلمين في غزوةِ مؤتة بعدما عرفوا أن عددَ الكافرين أكثرُ من عددِهم بكثير قال لهم: يا قومِ، واللّهِ إن التي تكرهونَ للّتي خرجتُم تَطلبون، الشهادة، وما نقاتلُ الناسَ بعددٍ ولا كثرةٍ، ما نُقاتِلهم إلا بهذا الدينِ الذي أكرمنا اللّهُ به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحُسنَين: إما ظهورٌ، وإما شهادة(2). فنحن لا نقاتِلُ الكافرينَ بعددٍ ولا عُدّة، ولكن نقاتلُهم باتّباعِنا لهذا الدين، كما روي عن سيدِنا عمرَ بنِ الخطّابِ رضي اللهُ عنه حيث بعثَ إلى الصحابيِّ الجليلِ سعدِ بنِ أبي وقاص ومن معه من الأجنادِ يوصيهِ بقولِه: أمّا بعد فإني آمركَ ومن معكَ من الأجنادِ بتقوى اللهِ على كلِّ حالٍ؛ فإن تقوى اللهِ أفضلُ العدةِ على العدوِّ وأقوى المَكيدةِ في الحَرْبِ، وءامرُكَ ومن معكَ أن تكونُوا أشدَّ احتراسًا من المعاصي من احتراسِكم من عدوِّكم فإنّ ذنوبَ الجيشِ أخوفُ عليهم من عدوِّهم وإنما يُنصرُ المسلمون بمعصيةِ عدوِّهم للهِ تعالى. ولكن هذا لا يعني بحالٍ أن لا نستعدَّ لأعدائِنا بالعددِ والعُدّةِ فاللهُ تعالى يقولُ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}(الأنفال:60).

  إخوةَ الإسلام: يقولُ اللهُ تباركَ وتعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(ءال عمران:139) نزلت يومَ أحدٍ تسليةً وتصبيرًا من اللهِ تعالى للمؤمنين، بأن لا يضعفُوا عن الجهادِ، وأن لا يحزنوا على من قتل منهم، وبيّن لهم أنهم الأَعْلَوْنَ، فهم أعلى من الكافرين بالنصرِ والظَّفَرِ والفوزِ في العاقبةِ، وهم الأعْلَون شأنًا لأن قتالَهم للهِ تعالى ولإعلاءِ كلمتِهِ، وأما قتالُ الكفارِ فإنه للشيطانِ ولإعلاءِ كلمةِ الكفرِ، وهم الأعلَونَ لأن قتلاهم في الجنةِ وقتلى الكافرين في النار، فلا تهِنوا ولا تحزنوا يا أهلَنا في غزَّة، فأنتم الأعلونَ بإذنِ اللهِ تعالى، فإن شهداءنا في الجنةِ وقتلاهُم في النّار. ولا تستغربوا إخوةَ الإسلام من جرائمِ اليهودِ ومن قصفِهم للمستشفياتِ وقتلهم للأطفالِ والنساءِ؛ فهم قتلةُ الأنبياءِ؛ فنسأل اللهَ تعالى أن يريَنا بهم عجائبَ قدرتِه. وانتبهوا إخوةَ الإسلامِ من المنافقينَ في زمانِنا، فإن بعضَهم في أيامِنا هذه تجرّؤوا فقالوا: لو كان المسلمون في غزة على حقٍّ فلِمَ يحصلُ بهم ما يحصل!! وقالوا ولِمَ لَمْ يحفظهمُ اللهُ تعالى؟! وكفاهم خزيا في قولِهم هذا اتّباعُهم للمنافق مُعَتَّبِ بنِ قُشير حيثُ قال في معركةِ أحد: يَعِدُنا محمدٌ كنوزَ كسرى وقيصر وأحدُنا لا يأمنُ على خَلائِهِ(3) وهو الذي قال : لو كان لنا من الأمرِ شيءٌ ما قُتلنا ههنا(4). فأهل غزةَ بإذنِ اللهِ تعالى منصورون، فكلُّنا سنفارِقُ هذه الدنيا، فهنيئا لمن فارقها وهو شهيد، وهنيئا لمن فارقها فمات عزيزا مدافعا عن دينِ الله تعالى، ويا ذُلَّ من يموتُ خائنا منافقا.

ربِ ســـألتُكَ بالنبيِّ وءالِهِ
أن تَرفَعَ البلوى وكيدَ المُعتدي

فلقد غَدَونا للِّئامِ كقصعَةٍ
يـتجاذبونَ اللــحمَ فوقَ المَوقِدِ

فأغثْ إلهـي إننا في حَيرةٍ
عَـزَّ النـصيرُ وأنتَ خيرُ مُـؤيّدِ

أدركْ رسولَ اللهِ أمتَكَ التي
سِيمَت بِخَسـفٍ من لئيمٍ مُلحدِ

نسألُ اللهَ تعالى أن يهيِّئَ لنا أسبابَ نصرةِ إخوانِنا في غزة، وينصرَهم على أعداءِ الدين، هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم. 

الخطبة الثانية

  الحمدُ للهِ لهُ النعمةُ وله الفضلُ وله الثناءُ الحَسَنُ والصلاةُ والسلامُ على سيدنَا محمدٍ سيدِ البشرِ، عبادَ اللهِ اتقوا اللهَ وأطيعوهُ. أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ: فلا بد من الصدقِ مع اللهِ تعالى حتى يعطيَنا اللهُ تعالى ما نريدُ وهو النصرُ على الأعداءِ، فقد روى النسائي:”أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ ثُمَّ قَالَ أُهَاجِرُ مَعَكَ فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ ﷺ بَعْضَ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ غَنِمَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ(5) فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا قِسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبِيُّ ﷺ فَأَخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ مَا هَذَا؟ قَالَ قَسَمْتُهُ لَكَ قَالَ مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إِلَى هَاهُنَا – وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ – بِسَهْمٍ فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَقَالَ إِنْ تَصْدُقْ اللَّهَ يَصْدُقْكَ فَلَبِثُوا قَلِيلًا ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ أَهُوَ هُوَ قَالُوا نَعَمْ قَالَ صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ“. فإن تصدقِ اللهَ في نيتِك يصدقْكَ اللهُ ويعطيك ما تريد، نسألُ اللهَ تعالى أن يرزقَنا الصدقَ في نياتِنا وأعمالِنا وأحوالِنا إنه على كل شيءٍ قديرٌ وبعبادِه لطيفٌ خبيرٌ.

  عِبَادَ اللهِ إِنَّ اللهَ قَدْ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيْمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ الكَرِيمِ فَقَالَ:{إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلونَ على النبيِّ يا أيُّهَا الذينَ ءامَنُوا صَلُّوا عَليهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}لبيكَ اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما صليتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ وبارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما باركتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ في العالمينَ إنكَ حميدٌ مجيدٌ. اللهمّ اغفر للمسلمينَ والمسلماتِ والمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهم والأموات، اللهم فَرِّجِ الكَرْبَ عَنِ الأَقْصَى يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ، يا الله احفظِ المسلمين والمسجدَ الأقصى من أيدي اليهودِ المدنسين، يا اللهُ انصرِ الإسلامَ والمسلمين، يا قويُّ يا متينُ انصرِ المسلمين في غزة، يا اللهُ يا من لا يعجِزُكَ شيءٌ ثبِّتْ المسلمينَ في غزّة وأمدّهم بمددٍ من عندِك، وارزقهم نصرا قريبا، اللهم عليك باليهودِ أعداءِ هذا الدين، اللهم أحصِهمْ عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادرْ منهم أحدا، يا الله يا رحمنُ يا رحيمُ اشفِ جرحى المسلمين في غزة وفلسطين، وتقبّلْ شهداءهم، وأنزلِ الصبرَ والسكينةَ على قلوبِ أهلِهم، اللهم إنّا نستودعُكَ غزّةَ وأهلَها وأرضَها وسماءَها ورجالَها ونساءَها وأطفالَها، فيا ربِّ احفظهم من كلِّ سوء، اللهم إنّا نبرَأُ من حولِنا وقوَّتِنا وتدبيرِنا إلى حولِكَ وقوّتِكَ وتدبيرِكَ فأرنا يا اللهُ عجائبَ قدرتِكَ وقوّتك في اليهودِ الغاصبين، اللهمّ أنتَ اللهُ لا إلهَ إلا أنتَ، أنتَ الغنيُّ ونَحنُ الفقراءُ، اللهم فرج كروبنا واستر عيوبنا وأذهب همومنا يا رب العالمين. اللهم ارفعِ البلاءَ والأمراضَ عنِ المسلمينَ، وَفَرِّجْ عَنَّا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ، اللهمّ أغِث قلوبَنا بالإيمانِ واليقين، وارزقنا النصرَ على أنفسِنا وعلى أعداء الدين، اللهم اجعلْ هذا البلدَ آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً وسائرَ بلادِ المسلمينَ، اللهم وَفِّقْ مَلِكَ البلادِ لِمَا فيه خيرُ البلادِ والعبادِ يا ربَّ العالمينَ ارزقْهُ البطانَةَ الصالحةَ التي تأمرُهُ بالمعروفِ وتنهاهُ عنِ المنكرِ، عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذي القربى وينهى عنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبغي يعظكُمْ لعلكم تذكرونَ وأقمِ الصلاةَ.

الحاشية

  1. ذكره ابن كثير في البداية والنهاية وكذا الطبري في تاريخه.
  2. ذكر هذه القصة البيهقي في دلائل النبوة.
  3. أي المكان الذي يقضي فيه حاجته.
  4. كما روى ذلك عنه الطبراني في المعجم الكبير.
  5. الإبل ونحوها من البقر والغنم.

معنى التبرك لغة وشرعا

بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، أَمَّا بَعدُ: المقدمة…

ربما يعجبك أيضا

Total
0
Share