معجزات نبي الله عيسى عليه السلام

معجزات نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام

بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ

الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، أَمَّا بَعدُ:

المقدمة

قَالَ اللهُ تَعَالَى

﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ

سورة الحديد (25)

أَيَّدَ اللهُ تَعَالَى كُلَّ نَبِيٍّ مِنَ المُعجِزَاتِ مَا هُوَ شَاهِدٌ لَهُ بِصِدقِهِ، وَكَانَت مُعجِزَةُ كُلِّ نَبِيٍّ فِي زَمَانِهِ بِمَا يُنَاسِبُ أَهلَ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَنَبِيُّ اللهِ عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ بُعِثَ فِي زَمَانٍ يَكثُرُ فِيهِ التَّبَاهِي وَالتَّسَابُقُ فِي المَهَارَةِ مِنَ الأَطِبَّاءِ، فَجَاءَهُم بِمُعجِزَاتٍ لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ مَنهُم إِلَيهَا لِأَنَّهُ مُؤَيَّدٌ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَكَانَت هَذِهِ المُعجِزَاتُ دَلِيلًا عَلَى صِدقِهِ فِيمَا يُبَلِّغُهُ عَنِ اللهِ تَعَالَى، وَفِيمَا يَلِي بَيَانُ ذَلِكَ:

معجزات نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام

تكليم الناس في المهد

أَيَّدَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ عِيسَى بِمُعجِزَةِ التَّكَلُّمِ فِي المَهدِ، أَي فِي الصِّغَرِ، وَذَلِكَ لِتَبرِئَةِ أُمِّهِ، وَكَانَت هَذِهِ المُعجِزَةُ عَلَى خِلَافِ العَادَةِ، إِذ لَا يُمكِنُ لِلرَّضِيعِ أَن يَتَكَلَّمَ فِي رَضَاعِهِ عَادَةً.

المائدة

قِصَّةُ هَذِهِ المَائِدَةِ أَنَّ سَيِّدَنَا عِيسَى ابنَ مَريَمَ عَلَيهِ السَّلَامُ أَمَرَ الحَوَارِيِّينَ بِصِيَام ثَلَاثِينَ يَومًا، فَلَمَّا أَتَمُّوهَا سَأَلُوا عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ إِنزَالَ مَائِدَةٍ مِنَ السَّمَاء عَلَيهِم لِيَأكُلُوا مِنهَا، وَلِتَطمَئِنَّ بِذَلِكَ قُلُوبُهُم أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَد تَقَبَّلَ صِيَامَهُم، وَتَكُونَ لَهُم عِيدًا يُفطِرُونَ عَلَيهَا يَومَ فِطرِهِم، وَتَكُونَ كَافِيَةً لِأَوَّلِهِم وَءَاخِرِهم وَلِغَنِيِّهِم وَفَقِيرِهِم، وَلَكِنَّ عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ وَعَظَهُم فِي ذَلِكَ وَخَافَ عَلَيهِم أَلَّا يَقُومُوا بِشُكرِهَا، فَأَبَوا عَلَيهِ إِلَّا أَن يَسأَلَ لَهُم ذَلِكَ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

فَلَمَّا أَلَحُّوا عَلَيهِ فِي ذَلِكَ قَامَ إَِى مُصَلَّاهُ وَلَبِسَ ثِيَابًا مِن شَعَرٍ وَأَطرَقَ رَأسَهُ وَأَسبَلَ عَينَيهِ بِالبُكَاءِ ثُمَّ أَخَذَ يَتَضَرَّعُ إِلَى اللهِ تَعَالَى فِي الدُّعَاءِ وَالسُّؤَالِ أَن يُجَابُوا إِلَى مَا طَلَبُوا، فَاستَجَابَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ دُعَاءَهُ، فَأَنزَلَ سُبحَانَهُ المَائِدَةَ مِنَ السَّمَاءِ وَالنَّاسُ يَنظُرُونَ إِلَيهَا وَهِيَ تَنحَدِرُ بَينَ غَمَامَتَينِ، وَجَعَلَت تَدنُو قَلِيلًا قَلِيلًا وَكُلَّمَا دَنَت مِنهُم يَسأَلُ عِيسَى المَسِيحُ عَلَيهِ السَّلَامُ أَن يَجعَلَهَا اللهُ رَحمَةً لَا نقمَةً وَأَن يَجعَلَهَا سَلَامًا وَبَرَكَةً، فَلَم تَزَل تَدنُو حَتَّى استَقَرَّت بَينَ يَدَي عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ وَهِيَ مُغَطَّاةٌ بِمِندِيلٍ، فَقَامَ عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ يَكشِفُ عَنهَا وَهُوَ يَقُولُ: «بِسمِ اللهِ خَيرِ الرَّازِقِينَ»، فَإِذَا عَلَيهَا مِنَ الطَّعَامِ سَبعَةً مِنَ الحِيتَانِ وَسَبعَةَ أَرغِفَةٍ، وَقِيلَ: كَانَ عَلَيهَا خَلٌّ وَرُمَّانٌ وَثِمَارٌ، وَلَهَا رَائِحَةُ عَظِيمَةٌ جِدًّا.

ثُمَّ أَمَرَهُم نَبِيُّهُم عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ بِالأَكلِ مِنهَا، فَقَالُوا لَهُ: لَا نَأكُلُ حَتَّى تَأكُلَ، فَلَمَّا أَبَوا أَن يَبدَؤُوا بِالأَكلِ مِنهَا أَمَرَ عَلَيهِ السَّلَامُ الفُقَرَاءَ وَالمَحَاوِيجَ وَالمَرضَى وَأَصحَابَ العَاهَاتِ وَكَانُوا قَرِيبًا مِنَ الأَلفِ وَثَلَاثَمِائَةٍ أَن يَأكُلُوا مِن هَذِهِ المَائِدَةِ، فَأَكَلُوا مِنهَا فَبَرِئَ كُلُّ مَن بِهِ عَاهَةٌ أَو ءَافَةٌ أَو مَرَضٌ مُزمِنٌ، وَاستَغنَى الفُقَرَاءُ وَصَارُوا أَغنِيَاءَ، فَنَدِمَ النَّاسُ الَّذِينَ لَم يَأكُلُوا مِنهَا لِمَا رَأَوا مِن إِصلَاحِ حَالِ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَكَلُوا، ثُمَّ صَعِدَتِ المَائِدَةُ وَهُم يَنظُرُونَ إِلَيهَا حَتَّى تَوَارَت عَن أَعيُنِهِم.

وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ المَائِدَةَ كَانَت تَنزِلُ كُلَّ يَومٍ مَرَّةً فَيَأكُلُ النَّاسُ مِنهَا، فَيَأكُلُ ءَاخِرُهُم كَمَا يَأكُلُ أَوَّلُهُم، حَتَّى قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يَأكُلُ مِنهَا كُلَّ يَومٍ سَبعَةُ ءَالَافِ شَخصٍ.

ثُمَّ أَمَرَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ أَن يَقصُرَهَا عَلَى الفُقَرَاءِ وَالمُحتَاجِينَ دُونَ الأَغنِيَاءِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، وَتَكَلَّمَ مُنَافِقُوهُم فِي ذَلِكَ، فَرُفِعَت وَمُسِخَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ مِنَ المُنَافِقِينَ خَنَازِيرَ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَتَنَاسَلُوْا.

كان عليه السلام يشفي المرضى بإذن الله

كَانَ عَلَيهِ السَّلَامُ يَمسَحُ عَلَى المَرِيضِ فَيُشفَى بِإِذنِ اللهِ تَعَالَى، فَكَانَ يَشفِي الأَعمَى وَالأَكمَهَ (وَهُوَ الَّذِي وُلِدَ أَعمَى) بِإِذنِ اللهِ تَعَالَى، وَلَم يَكُن فِي زَمَانِهِ مَن يَستَطِيعُ شِفَاءَ الأَكمَهِ حَتَّى أَمهَرُ الأَطِبَّاءِ فِي زَمَانِهِ مَا كَانَ يَستَطِيعُ شِفَاءَ الأَكمَهِ، فَكَانَت هَذِهِ مِنَ المُعجِزَاتِ البَاهِرَاتِ الَّتِي أَيَّدَ اللهُ بِهَا نَبِيَّهُ عَلَيهِ السَّلَامُ، وَكَانَ عَلَيهِ السَّلَامُ يَمسَحُ عَلَى الأَبرَصِ فَيُشفَى بِإِذنِ اللهِ تَعَالَى، وَالأَبرَصُ هُوَ المُصَابُ بِمَرَضِ البَرَصِ وَهُوَ مَرَضٌ فِي الجِلدِ يَجعَلُ الجِلدَ بِاللَّونِ الأَبيَضِ.

وَكُلُّ هَذَا كَانَ فِي زَمَنِ سَيِّدِنَا عِيسَى مِنَ الأُمُورِ العَجِيبَةِ الَّتِي لَا يَسْتَطِيْعُ طَبِيبٌ أَن يَأتِيَ بِمِثلِهَا، فَكَانَت دَلِيلًا وَاضِحًا عَلَى صِدقِ نَبِيِّ اللهِ عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ.

كان عليه السلام يصور من الطين على صورة الطير فيكون طيرا بإذن الله

كَانَ سَيِّدُنَا عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ يُصَوِّرُ مِنَ الطِّينِ عَلَى شَكلِ طَائِرٍ ثُمَّ يَنفُخُ فِيهِ فَيُجرِي اللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الرُّوحَ فِي هَذَا الطَّيرِ ثُمَّ يَطِيرُ هَذَا الطَّيرُ بِإِذنِ اللهِ تَعَالَى.

وَقَد فَسَّرَ بَعضُ العُلَمَاءِ الطَّيرَ بِالخُفَّاشِ، فَكَانَ يَطِيرُ بَعِيدًا ثُمَّ إِذَا اختَفَى عَن أَنظَارِ النَّاسِ يَسقُطُ وَتَذهَبُ مِنهُ الرُّوحُ، وَهَذِهِ المُعجِزَةُ مِن أَبهَرِ المُعجِزَاتِ الَّتِي أَيَّدَ اللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بِهَا نَبِيَّهُ عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ.

وَكُلُّ مَا كَانَ يَفعَلُهُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ كَانَ بِقُدرَةِ اللهِ وَمَشِيئَتِهِ، فَاللهُ تَعَالَى هُوَ وَحدَهُ الخَالِقُ، وَلَا يُمكِنُ لِمَخلُوقٍ وَلَو كَانَ نَبِيًّا أَن يَخلُقَ شَيئًا، بَل كَانَ سَيِّدُنَا عِيسَى يُصَوِّرُ الطِّينَ وَاللهُ تَعَالَى يَخلُقُ فِيهِ الرُّوحَ.

وَقَد جَاءَ مِن أَمرِ المُعتَزِلَةِ أَنَّهُم خَالَفُوا فِي هَذَا فَقَالُوا بِأَنَّ العَبدَ هُوَ مَن يَخلُقُ أَعمَالَهُ وَأَفعَالَهُ وَالعِيَاذُ بِاللهِ مِنَ الكُفرِ، بَل وَزَادَ بَعضُهُم فِي الكُفرِ فَقَالَ: حَتَّى الحَيَوَانَاتُ وَالبَهَائِمُ وَالحَشَرَاتُ تَخلُقُ، وَقَالَ بَعضُهُم: اللهُ كَانَ قَادِرًا عَلَى الخَلقِ ثُمَّ صَارَ عَاجِزًا عَنهُ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى، وَكُلُّ هَذَا كُفرٌ مِن أَشنَعِ الكُفرِ.

كان عليه السلام يحيي الموتى بإذن الله

كَانَ عَلَيهِ السَّلَامُ يَقُولُ لِلمَيِّتِ: قُم بِإِذنِ اللهِ فَيَقُومُ بِإِذنِ اللهِ، وَيُروَى أَنَّ أَوَّلَ مَا أَحيَا مِنَ المَوتَى أَنَّهُ مَرَّ ذَاتَ يَومٍ عَلَى امرَأَةٍ قَاعِدَةٍ عِندَ قَبرٍ وَهِيَ تَبكِي، فَقَالَ لَهَا: مَا لَكِ أَيَّتُهَا المَرأَةُ؟ فَقَالَت لَهُ: مَاتَتِ ابنَةٌ لِي لَم يَكُن لِي وَلَدٌ غَيرُهَا، وَإِنِّي عَاهَدتُ رَبِّيَ أَن لَا أَبرَحَ مِن مَوضِعِي هَذَا حَتَّى أَذُوقَ مَا ذَاقَت مِنَ المَوتِ أَو يُحيِيَهَا اللهُ لِي فَأَنظُرَ إِلَيهَا، فَقَالَ لَهَا نَبِيُّ اللهِ عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ: أَرَأَيتِ إِن نَظَرتِ إِلَيهَا أَرَاجِعَةٌ أَنتِ؟ قَالَت: نَعَم، فَصَلَّى عَلَيهِ السَّلَامُ رَكعَتَينِ للهِ تَعَالَى ثُمَّ جَاءَ فَجَلَسَ عِندَ القَبرِ، فَنَادَى: يَا فُلَانَةُ، قُومِي بِإِذنِ اللهِ الرَّحمَنِ فَاخرُجِي، فَتَحَرَّكَ القَبرُ، ثُمَّ نَادَى المَرَّةَ الثَّانِيَةَ فَانصَدَعَ القَبرُ بِإِذنِ اللهِ، ثُمَّ نَادَى الثَّالِثَةَ فَخَرَجَت وَهِيَ تَنفِضُ رَأسَهَا مِنَ التُّرَابِ، ثُمَّ قَالَ لَهَا عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ: مَا أَبطَأَ بِكِ عَنِّي؟ فَقَالَت لَهُ: لَمَّا جَاءَتنِي الصَّيحَةُ الأُولَى بَعَثَ اللهُ لِي مَلَكًا فَرَكَّبَ خَلقِي، ثُمَّ جَاءَتنِي الصَّيحَةُ الثَّانِيَةُ فَرَجَعَت إِلَيَّ رُوحِي، ثُمَّ جَاءَتنِي الصَّيحَةُ الثَّالِثَةُ فَخِفتُ أَنَّهَا صَيحَةُ القِيَامَةِ فَشَابَ رَأسِي وَحَاجِبَايَ وَأَشفَارُ عَينَيَّ مِن مَخَافَةِ القِيَامَةِ، ثُمَّ أَقبَلَت عَلَى أُمِّهَا فَقَالَت لَهَا: يَا أُمَّاهُ مَا حَمَلَكِ عَلَى أَن أَذُوقَ كَربَ المَوتِ مَرَّتَينِ؟ يَا أُمَّاهُ اصبِرِي وَاحتَسِبِي فَلَا حَاجَةَ لِي فِي الدُّنيَا، ثُمَّ كَلَّمَت نَبِيَّ اللهِ عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ وَقَالَت لَهُ: سَل رَبِّيَ أَن يَرُدَّنِي إِلَى الآخِرَةِ وَأَن يُهَوِّنَ عَلَيَّ كَربَ المَوتِ، فَدَعَا عَلَيهِ السَّلَامُ رَبَّهُ فَقَبَضَهَا إِلَيهِ وَاستَوَت عَلَيهَا الأَرضُ، فَسُبحَانَ القَادِرِ عَلَى كُلِّ شَىءٍ، وَلَمَّا بَلَغَ اليَهُودَ خَبَرُ هَذِهِ الحَادِثَةِ ازدَادُوا عَلَى عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ غَضَبًا.

وَيُروَى أَنَّ مَلِكًا مِن مُلُوكِ بَنِي إِسرَائِيلَ مَاتَ وَحُمِلَ عَلَى سَرِيرِهِ وَنَعشِهِ، فَجَاءَ عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ فَدَعَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فَأَحيَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَأَى النَّاسُ يَومَئِذٍ أَمرًا هَائِلًا وَمَنظَرًا عَجِيبًا.

وَيُروَى أَنَّهُ مِمَّن أَحيَاهُ عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ بِإِذنِ اللهِ تَعَالَى عَازرُ وَكَانَ صَدِيقًا لِعِيسَى فَلَمَّا مَرِضَ عَازرُ أَرسَلَت أُختُهُ إِلَى عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ أَنَّ عَازرَ يَمُوتُ، فَسَارَ إِلَيهِ عِيسَى وَبَينَهُمَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، فَوَصَلَ إِلَيهِ فَوَجَدَهُ قَد مَاتَ، فَأَتَى قَبرَهُ فَدَعَا اللهَ تَعَالَى فَأَحيَاهُ اللهُ تَعَالَى وَعَاشَ وَبَقِيَ دَهرًا حَتَّى وُلِدَ لَهُ.

وَيُروَى أَنَّهُ عَلَيهِ السَّلَامُ كَانَ يَومًا مَعَ أَصحَابِهِ الحَوارِيِّينَ يَذكُرُ نُوحًا وَالغَرَقَ وَالسَّفِينَةَ، فَقَالَ لَهُ الحَوَارِيُّونَ: لَو بَعَثتَ لَنَا مَن شَهِدَ ذَلِكَ؟ فَأَتَى عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ مُرتَفَعًا وَقَالَ: هَذَا قَبرُ سَامِ بنِ نُوحٍ، ثُمَّ دَعَا اللهَ تَعَالَى فَأَحيَاهُ اللهُ تَعَالَى، فَقَالَ سَامُ: قَد قَامَتِ القِيَامَةُ؟ فَقَالَ لَهُ عِيسَى المَسِيحُ عَلَيهِ السَّلَامُ: لَا وَلَكِن دَعَوتُ اللهَ فَأَحيَاكَ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَخبَرَهُم عَنِ السَّفِينَةِ وَأَمرِهَا ثُمَّ عَادَ مَيِّتًا.

إخبارهم بما يأكلون ويدخرون في بيوتهم

مِن مُعجِزَاتِ سَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ أَنَّهُ كَانَ يُخبِرُ قَومَهُ بِمَا يَأكُلُونَ وَيُخَبِّئُونَ مِنَ الطَّعَامِ فِي بُيُوتِهِم، وَذَلِكَ أَنَّهُ عِندَمَا أَحيَا لَهُمُ المَوتَى طَلَبُوا مِنهُ آيَةً أُخرَى، وَقَالُوا: أَخبِرنَا بِمَا نَأكُلُ فِي بُيُوتِنَا وَمَا نَدَّخِرُ لِلغَدِ، فَأَخبَرَهُم، فَقَالَ: يَا فُلَانُ أَنتَ أَكَلتَ كَذَا وَكَذَا، وَأَنتَ أَكَلتَ كَذَا وَكَذَا وَادَّخَرتَ كَذَا وَكَذَا.

الخاتمة

هَذِهِ المُعجِزَاتُ وَغَيرُهَا يُجرِيهَا اللهُ تَعَالَى عَلَى يَدِ نَبِيِّهِ عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ كَمِثلِ كُلِّ الأَنبِيَاءِ إِنَّمَا هِيَ لِلدِّلَالَةِ عَلَى صِدقِ هَذَا النَّبِيِّ فِي قَولِهِ إِنَّهُ نَبِيٌّ مُرسَلٌ مِن عِندِ اللهِ، وَبِهَا يَحصُلُ التَّميِيزُ بَينَ النَّبِيِّ الصَّادِقِ فِي دَعوَاهُ وَالمُتَنَبِّئِ الكَاذِبِ، فَالمُعجِزَةُ هِيَ دَلِيلُ صِدقِ النَّبِيِّ وَتَأيِيدٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى لَهُ، وَلَيسَتِ الأَخلَاقُ الحَسَنَةُ أَو نَحوُهَا هِيَ دَلِيلَ صِدقِ النَّبِيِّ، نَعَم، يَجِبُ لِكُلِّ الأَنبِيَاءِ أَن يَتَّصِفُوا بِالصِّفَاتِ الحَمِيدَةِ وَالأَخلَاقِ الرَّفِيعَةِ، لَكِن لَيسَت هِيَ دَلِيلَ صِدقِ النَّبِيِّ كَمَا زَعَمَ بَعضُ النَّاسِ، لِأَنَّكَ قَد تَجِدُ بَعضَ الكُفَّارِ يَتَّصِفُ بِالأَخلَاقِ الحَسَنَةِ، فَهَذَا لَيسَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ نَبِيٌّ.

وَاللهُ تَعَالَى أَعلَمُ وَأَحكَمُ، وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

المصادر

هَذِهِ المَسَائِلُ مَجمُوعَةٌ وَمُلَخَّصَةٌ مِنَ:

  1. القُرءَانِ الكَرِيمِ.
  2. السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ.
  3. البِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ لِابنِ كَثِيرٍ.
  4. الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ القُرْآنِ لِلْقُرْطُبِيِّ.
  5. تَارِيْخِ الطَّبَرِيِّ لِلْإِمَامِ الطَّبَرِيِّ.
أحكام العمرة عند الإمام الشافعي

من أحكام العمرة على مذهب الإمام الشافعي

العمرةُ عند الإمامِ الشَّافعيِّ فرضٌ كالحجِّ والأصل فيها قولُه عزَّ وجلَّ: قال الله تعالى وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ…
Total
0
Share