بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، أَمَّا بَعدُ:
المقدمة
يَقُولُ اَللهُ تَعَالَى
﴿النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾
سورة الأحزاب: 6
وَعَن أَبِي عُثمَانَ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بنُ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَهُ عَلَى جَيشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، قَالَ: فَأَتَيتُهُ فَقُلتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيكَ؟ فَقَالَ ﷺ: “عَائِشَةُ“، فَقُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ ﷺ: “أَبُوهَا“. رواه البخاري في صحيحه.
فِي حِجرِهَا خَيرُ اَلأَنَامِ مَاتَ، كَانَت لَهُ رَفِيقِةً فِي اَلعَيشِ وَالوَفَاةِ، هِيَ أَفقَهُ اَلنِّسَاءِ المُؤمِنَاتِ، وَزَوجَةُ المُختَارِ فِي حِمَى الجَنَّاتِ، الصِّدِّيقَةُ بِنتُ الصِّدِّيقِ، حَبِيبَةُ المُختَارِ، أُمُّ اَلْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ بِنتُ أَبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهَا وَعَنْ أَبِيْهَا.
نسبها رضي الله عنها
هِيَ أُمُّ اَلْمُؤْمِنِينَ زَوجُ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ، الصِّدِّيقَةُ عَائِشَةُ بِنتُ أَبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ عَبدِ اللهِ بنِ أَبِي قُحَافةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ بنِ عَامِرِ بنِ عَمرِو بنِ كَعبِ بنِ سَعدِ بنِ تَيمِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعبِ بنِ لُؤَيٍّ، وَأُمُّهَا أُمُّ رُومَانَ بِنتُ عَامِرٍ الكِنَانِيَّةُ.
كنيتها رضي الله عنها
كَانَت تُكَنَّى رَضِيَ اللهُ عَنهَا بِأُمِّ عَبدِ اللهِ، رَوَى ابنُ سَعدٍ فِي الطَّبَقَاتِ عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أَنَّهَا قَالَت: قُلتُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ النِّسَاءَ قَدِ اكتَنَينَ فَكَنِّنِي، فكَنَّاهَا أمَّ عَبدِ اللهِ.
مولدها رضي الله عنها
وُلِدَت فِي الإِسلَامِ بِمَكَّةَ المُكَرَّمَةِ قَبلَ الهِجرَةِ.
زواجها رضي الله عنها من رسول الله ﷺ
تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ (أَي عَقَدَ عَلَيهَا) قَبلَ الهِجرَةِ بِبِضعَةَ عَشَرَ شَهرًا، وَهِيَ بِنتُ سِتِّ سَنَوَاتٍ، وَدَخَلَ بِهَا فِي شَوَّالَ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِلهِجرَةِ وَهِيَ بِنتُ تِسعِ سَنَوَاتٍ كَمَا فِيْ الصَّحِيْحَيْنِ.
صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللهُ عَنهَا أَنَّهَا قَالَت: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ لِسِتِّ سِنِينَ، وَبَنَى بِي وَأَنَا بِنتُ تِسعِ سِنِينَ. متفق عليه.
وَقِيلَ بَل عَقَدَ عَلَيهَا فِي شَوَّالَ سَنَةَ عَشرٍ مِنَ النُّبُوَّةِ قَبلَ مُهَاجَرِهِ إِلَى المَدِينَةِ بِسَنَةٍ وَنِصفٍ أَو نَحوِهَا، وَكَانَت بِكرًا، وَلَم يَنكِح ﷺ بِكرًا غَيرَهَا.
رؤية النبي لها في المنام قبل الزواج منها
رَآهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي المَنَامِ قَبلَ زِوَاجِهِ بِهَا، فَفِي الحَدِيثِ عَنهَا رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “أُرِيتُكِ فِي المَنَامِ ثَلاَثَ لَيَالٍ، جَاءَنِي بِكِ المَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِن حَرِيرٍ، فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ؟ فَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِكِ، فَإِذَا أَنْتِ هِيَ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ“، رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ. وَفِيْ رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِيْ الْمُسْتَدْرَكِ: قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا تَزَوَّجَنِيْ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ حَتَّىْ أَتَاهُ جِبْرِيْلُ بِصُوْرَتِيْ (أَيْ يَحْمِلُ صُوْرَتِيْ لَا مُتَشَكِّلًا بِصُوْرَتِيْ)، وَقَالَ: هَذِهِ زَوْجُكَ.اهـ
علمها رضي الله عنها
كَانَتِ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اَللَّهُ عَنهَا عَالِمَةً مُفَسِّرَةً مُحَدِّثَةً، تُعَلِّمُ نِسَاءَ المُؤمِنِينَ، ذَاتَ عَقلٍ نَيِّرٍ وَذَكَاءٍ حَادٍّ، وَكَانَ للسَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا الدَّورُ الفَعَّالُ فِي خِدمَةِ الفِكْرِ الإِسلَامِيِّ مِن خِلَالِ نَقلِهَا لِأَحَادِيْثِ رَسُولِ اللهِ وَتَفسِيْرِهَا لِكَثِيرٍ مِن جَوَانِبِ حَيَاةِ الرَّسُولِ ﷺ، فَقَدْ قَالَ عَنْهَا عُرْوَة بْنْ اَلزُّبَيْرْ: (مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِالقُرْآنِ وَلَا بِفَرَائِضِهِ وَلَا بِحَلَالٍ وَلَا بِحَرَامٍ وَلَا بِشِعْرٍ وَلَا بِحَدِيثِ عَرَبٍ وَلَا بِنَسَبٍ مِنْ عَائِشَةَ). وَقَالَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ: (مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا ـ أَصْحَابَ رَسُولِ اَللهِ ﷺ ـ حَدِيثٌ قَطُّ، فَسَأَلنَا عَائِشَةَ إِلَّا وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْمًا). وَكَانَتْ تُدَرِّسُ النِّسَاءَ وَكَذَلِكَ الرِّجَالَ لَكِنْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَوْتَ المَرْأَةِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ.
مناقبها رضي الله عنه
مَنَاقِبُهَا رَضِيَ اللهُ عَنهَا كَثِيرَةٌ أَجَلُّ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ فِي عُجَالَةٍ أَوْ مَقَالٍ فَهِيَ البَرَّةُ التَّقِيَّةُ النَّقِيَّةُ الحَصِينَةُ الرَّزِينَةُ الوَلِيَّةُ الفَقِيهَةُ الصَّابِرَةُ الجَوَادَةُ الكَرِيمَةُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ”، رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.
وَمِنْ مَنَاقِبِهَا رَضِيَ اللهُ عَنهَا مَا رُوِيَ عَنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أَنَّهَا قَالَتْ: فُضِّلَتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ ﷺ بِعَشْرٍ، قِيلَ: مَا هُنَّ يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ؟ قَالَتْ: لَمْ يَنْكِحْ بِكْرًا قَطُّ غَيْرِي، وَلَمْ يَنْكِحِ امْرَأَةً أَبَوَاهَا مُهَاجِرَانِ غَيْرِي، وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بَرَاءَتِي مِنَ السَّمَاءِ (أَي بِوَحيٍ مِنَ السَّمَاءِ)، وَجَاءَهُ جِبْرِيلُ بِصُورَتِي (أَي يَحمِلُ صُورَتِي لَا مُتَشَكِّلًا بِصُورَتِي) مِنَ السَّمَاءِ فِي حَرِيرِةٍ وَقَالَ: تَزَوَّجْهَا فَإِنَّهَا امْرَأَتُكَ، فَكُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَهُوَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَكُنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ بِأَحَدٍ مِنْ نِسَائِهِ غَيْرِي، وَكَانَ يُصَلِّي وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِأَحَدٍ مِنْ نِسَائِهِ غَيْرِي، وَكَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ وَهُوَ مَعِي وَلَمْ يَكُنْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَعَ أَحَدٍ مِنْ نِسَائِهِ غَيْرِي، وَقَبَضَ اللهُ نَفْسَهُ وَهُوَ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَمَاتَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي كَانَ يَدُورُ عَلَيَّ فِيهَا وَدُفِنَ فِي بَيْتِي.
وَمِنْ مَنَاقِبِهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهَا اقْرَاءُ جِبْرِيلَ لَهَا السَّلَامَ، رَوَى اَلْبُخَارِي فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَومًا: “يَا عَائِشُ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ“، فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، تَرَى مَا لَا أَرَى، تُرِيدُ رَسُولَ اللهِ ﷺ.
حب رسول الله ﷺ لها رضي الله عنها
كَانَتِ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أَحَبَّ أَزوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَيهِ بَعدَ خَدِيجَةَ، وَمِن جُملَةِ مَا وَرَدَ فِي الأَحَادِيثِ عَن ذَلِكَ مَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ عَن أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اَللهُ عَنهَا أَنَّهَا قَالَت: قُلتُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ صَواحِبِي (أَي أَزوَاجَ النَّبِيِّ ﷺ) قَد أَمَرنَنِي أَن أُكَلِّمَكَ تَأمُر النَّاسَ أَن يُهدُوا إِلَيكَ حَيثُ كُنتَ (لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُهدُونَ إِلَيهِ الهَدَايَا وَهُوَ فِي بَيتِ عَائِشَةَ)، وَقُلنَ إِنَّا نُحِبُّ مَا تُحِبُّ عَائِشَةُ، قَالَت فَلَم يُجِبنِي، فَسَأَلْنَنِي فَقُلتُ لَم يَرُدَّ عَلَيَّ شَيئًا، فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ عُدتُ إِلَيهِ فَقَالَ: “لَا تُؤذِينِي فِي عَائِشَةَ فَإِنَّ الوَحيَ لَم يَنزِل عَلَيَّ فِي لِحِافِ وَاحِدَةٍ مِنكُنَّ غَيرِ عَائِشَةَ“.
وفاتها رضي الله عنها
تُوُفِّيَت فِي شَهرِ رَمَضَانَ لَيلَةَ الثُّلَاثَاءِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنهُ وَذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمسِينَ، وَصَلَّى عَلَيهَا أَبُو هُرَيرَةَ فِي المَدِينَةِ، وَدُفِنَت بِالبَقِيعِ بَعدَ الوِترِ مِن لَيلَتِهَا.
وَاللهُ تَعَالَى أَعلَمُ وَأَحكَمُ، وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
المصادر
هَذِهِ المَسَائِلُ مَجمُوعَةٌ وَمُلَخَّصَةٌ مِن:
- القُرءَانِ الكَرِيمِ.
- السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ.
- صَحِيحِ البُخَارِيِّ.
- صَحِيحِ مُسلِمٍ.
- عُمدَةِ القَارِي لِبَدرِ الدِّينِ العَينِيِّ.
- الطَّبَقَاتِ الكُبرَى لِابنِ سَعدٍ.