المقدمة
الحمد لله خالق الأرض والسماء، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأنبياء وإمام الأصفياء، والمقدم على الخلائق في يوم الفصل والقضاء، وعلى آله وأصحابه النجباء أولي الفضل والصلحاء، من أوصلوا لنا شريعته السمحاء. أما بعد:
فقد قال تعالى لنبيه محمد ﷺ في سورة الفتح: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾
مقام النبي ﷺ وأمر الله بتعظيمه
فقد قال تعالى لنبيه محمد ﷺ في سورة الفتح: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾.
فهو ﷺ مبشر لمن آمن به واتبع نهجه وشرعه بالجنة وهو نذير لمن عصاه بالنار والعياذ بالله تعالى، وقد أمرنا الله عز وجل في قوله تعالى: ﴿وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾ بتعظيم النبي ﷺ وتعظيمه عليه الصلاة والسلام إنما هو نابع من محبتنا نحن المسلمين له ﷺ وهو من باب حفظ الجميل لهذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ففضله علينا عظيم.
فالرسول علَّمَنا التوحيدَ وعلَّمَنا أنَّ اللهَ موجودٌ لا يُشبِهُ الموجوداتِ موجودٌ بلَا كيفٍ ولَا مكانٍ ولا يجرِي عليهِ زمانٌ موصوفٌ بصفاتِ الكمالِ التِي تليقُ بهِ منزَّهٌ عنْ كلِّ نقصٍ فِي حقِّه ليسَ كمثلهِ شيءٌ وهوَ السميعُ البصيرُ
فضل الصلاة على النبي ﷺ وأثرها
هوَ نبيُّنا صلى الله عليه وسلم مَنْ نذكرُه فِي أيامِنَا وفِي ليلِنا وفِي نهارِنا ولا نقتصرُ فِي ذكرِه على يومٍ واحدٍ أو ليلةٍ واحدةٍ أو شهرٍ واحدٍ فِي السنةِ بلْ نذكرُه فِي كلِّ أوقاتِنا ونصلِّي عليهِ ونزيِّنُ مجالسَنَا بالصلاةِ عليهِ صلى الله عليه وسلم.
اللهم صل على سيدنا محمد صلاة تحسن بها الأخلاق وتيسر بها الأرزاق وتدفع بها المشاق وتملأ منها الآفاق وعلى آله وصحبه وسلم صلاةً دائمةً من يومَ خلقت الدنيا إلى يوم التلاق واسترنا بين يديك يا عزيز يا خلاق.
وينبغي لكل مُسلم ومسلمة أَن لَا يدع الصَّلَاة على النَّبِي ﷺ حينا وَلَا وقتا وَلَا يذكرهَا فِي الشدائد ويدعها فِي الرخَاء إِنَّمَا تصلي عَلَيْهِ فِي صَلَاتك وَعند قيامك وقعودك ولباسك وأكلك وشرابك وَسَائِر تصرفاتك فتعود عَلَيْك بركتها وَتُقبِلُ عَلَيْك خيراتها
النبي ﷺ قال فيما رواه البيهقي عن أَنَس بن مَالِك: «من صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ وَحَطَّ عَنْهُ عَشْرَ خَطِيئَاتٍ وَرَفَعَ لَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ» وَفِي رِوَايَة: «وَكَتَب لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ». وَمِن رِوَايَة عَبْد الرَّحْمن بن عَوْف عَنْه ﷺ: «لَقِيتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ لِي إِنِّي أُبَشِّرُكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ مَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَمَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ».
رفع الله ذكر النبي محمد ﷺ
رفعَ اللهُ ذِكْرَ محمدٍ ﷺ فِي الأولينَ وفِي الآخرينَ وبينَ الملائكةِ إلَى يومِ الفصلِ والدينِ قالَ تعالَى: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾، رُفِعَ ذِكْرُهُ ﷺ بأنْ قُرِنَ ذكرُهُ بذكرِ اللهِ فِي كلمةِ الشهادةِ وفِي الأذانِ والإقامةِ وفِي الخُطَبِ والتشهدِ وفِي غيرِ موضعٍ مِنَ القرآنِ الكريمِ وفِي تسميتِهِ ﷺ رسولَ اللهِ ونبيَّ اللهِ ومعَ هذَا كلِّه فقدْ ذُكِرَ فِي كتبِ الأولينَ.
هوَ مِنَ العربِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نسلِ إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ خليلِ الرحمنِ عليهما الصلاةُ والسلامُ ويتصلُ النسبُ الشريفُ إلى عدنانَ، وحكَمَ سبحانَه بأنَّ محمدًا أفضلُ البشرِ وأفضلُ الخلقِ ﷺ.
ويُروى أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «قَالَ لِي جِبْرِيلُ: قَلَّبْتُ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَلَمْ أَجِدْ رَجُلاً أَفْضَلَ مِنْ مُحَمَّدٍ، وَقَلَّبْتُ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَلَمْ أَجِدْ فِي بَنِي أَبٍ أَفْضَلَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» أخرجَه الطبرانيُّ فِي المعجمِ الأوسطِ.
مشروعية الاحتفال بمولد النبي ﷺ
فالمسلمونَ فِي مشارقِ الأرضِ ومغاربِها يفرحونَ لذكرِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ويجتمعونَ لمدحِه والصلاةِ عليه فليسَ ذلكَ شيئا مذمومًا ولا يؤخرُ الأمةَ بل يقدِّمُها ويُعْلِي مكانةَ أبنائِها فأنتَ عندَما تذكرُ محمدًا صلى الله عليه وسلم وتُذَكِّرُ الناسَ بهِ وبسيرَتِه وبمعجزاتِه وبأخلاقِه فإنَّك تُعَلِّقُهُم بهذَا النبيِّ الكريمِ صلى الله عليه وسلم وتُرَسِّخُ في قلوبِهمُ الاقتداءَ بهِ وإذَا كانوا على هذَا الطريقِ فإنَّ حالَهُم سينْصَلِحُ، فلذَلكَ ولغيرِه استحْسَنَتِ الأمةُ الاحتفالَ بذكرَى ولادَتِهِ صلى الله عليه وسلم وأجمعَتْ علَى مشروعِيَّتِهِ فَإِنَّهُ مِنَ الطاعاتِ العظيمةِ التي يُثابُ فاعِلُها لِمَا فيهِ مِنْ إِظْهار الفرَحِ والاسْتِبْشارِ بِمَوْلِدِهِ الشريفِ، وَهُوَ وإنْ لمْ يكنْ في زمنِه صلى الله عليه وسلم فهوَ مِنَ البِدَعِ الحسنَةِ التِي اتفقَ علماءُ الأمةِ علَى جوازِها وأولُ مَا حدثَ هذَا الاحتفالُ فِي أوائلِ القرنِ السابعِ مِنَ الهجرةِ أحدَثَه ذلكَ التقيُّ العالمُ المجاهدُ المظفّرُ ملكُ إربل، وجمعَ لهذا كثيرًا مِنْ علماءِ عصرِه فاستحسَنوا فعلَه ومدحوهُ ولم ينكروهُ وهكذا العلماءُ بعدَهم لم ينكرْ فِعْلَ المولدِ أحدٌ منهُم إلَّا بعضَ المخالفينَ الذينَ لا يُعْتَدُّ بقولِهِم وهمْ حقيقةً يعادونَ ذِكْرَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم فأنكرُوا فِعْلَ المولدِ إنكارًا شديدًا أي أنكرُوا ما استحسَنَتْه الأمةُ جمعاءُ لعصورٍ متتاليةٍ وزعمُوا بجهلِهِمْ وجرأَتِهم علَى الدينِ أنَّه بدعةُ ضلالةٍ واستدَلُّوا بحديثٍ وضعُوه في غيرِ موضعِه وهوَ حديثُ «كُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ» وأرادُوا أنْ يُمَوِّهُوا بهِ عَلَى الناسِ وهوَ حديثٌ صحيحٌ لكنْ معنَاهُ أنَّ مَا استُحدِثَ بعدَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فهوَ بدعةٌ غيرُ حسنةٍ إلَّا مَا وافقَ الشرعَ فإنَّه لا يكونُ مذمومًا، فكلمَةُ كل يرادُ بها هنا الأغلبُ لا الجميعُ بلا استثناءٍ فقدْ صحَّ في صحيحِ مسلمٍ وغيرِه أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ «مَنْ سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُها وأَجرُ مَنْ عَمِلَ بِها بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجورِهِمْ شَىءٌ».
ولذلكَ قالَ الإمامُ الشافعيُّ رضيَ اللهُ عنه «البدعةُ بدعتانِ محمودةٌ ومذمومةٌ فما وافقَ السنةَ فهوَ محمودٌ وما خالَفَها فهوَ مذمومٌ» رواهُ عنهُ الحافظُ أبو نعيمٍ وغيرُه.
وثمَّ كيفَ يقولُ هؤلاءِ المحرومونَ عنِ اجْتِماعِ المسلمينَ علَى قراءةِ القُرءانِ وذِكْرِ الرَّحمنِ ومَدْحِ محمَّدٍ سيِّدِ الأكوانِ مّما شَرَعَه اللهُ والرسولُ وتَلَقَّتْهُ الأمَّةُ بالقَبولِ إنَّه بدعَةُ ضَلالَةٍ وكيفَ يجرؤونَ على ذلكَ.
ألمْ يسمعوا قولَه تعالَى: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ وقولَه عزَّ وجلَّ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ ألم يَرِدْ مدحُ النبيِّ عليه الصلاة والسلام في القرءانِ الكريمِ، فقالَ اللهُ عزَّ من قائلٍ عنْ حبيبِه المصطفَى صلَّى الله عليه وسلم ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ وقالَ سبحانَه عنهُ أيضًا ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ ثمَّ ألَمْ يَجِئْ في السُنَّةِ المُطهَّرةِ أيضًا مَا يدلُّ على مَدْحِهِ عليه الصلاةُ والسَّلامُ جَماعةً وفرادَى بدُفٍّ ومِنْ غَيرِ دُفٍّ فِي المسْجِدِ وخارِجَهُ، أليسَ ثَبَتَ فِي الحديثِ الصحيحِ أنَّ أشخاصًا مِنَ الحَبَشَةِ كانوا يَرْقصُونَ في مسجِدِ رسولِ اللهِ ويَمْدحونَهُ بِلُغَتِهِم فقالَ رسولُ اللهِ: ماذا يَقولونَ؟ فَقيلَ لهُ: إِنَّهُمْ يقولونَ: “محمَّد عَبْدٌ صالِحٌ” (رواه أحمد وابن حبان) فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيهم صلى الله عليه وسلم ذلكَ، أليسَ قالَ العبَّاس بنُ عبدِ المُطلِبِ عمُّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم له “يا رسولَ اللهِ إنِّي امتَدَحتُكَ بِأبياتٍ” فقالَ رسولُ الله: “قُلْهَا لا يَفْضُضِ الله فَاك“ فأنشَدَ قصيدةً أَوَّلُهَا:
مِنْ قَبْلِها طِبْتَ في الظِّلالِ وَفِي
مُسْتَوْدَعٍ حينَ يُخْصَفُ الوَرَقُ
وفي ءاخِرِها
وأَنْتَ لَمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَتِ الأَرْضُ
وضَاءَتْ بِنورِكَ الأُفُقُ.
فَمَا مَنَعَهُ رَسولُ اللهِ ولا نَهَاهُ ولا قالَ لَهُ حَرامٌ أنْ تَمْدَحَني، بَلِ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ مِنْهُ ودَعا لَهُ بِأَنْ تَبْقَى أَسنانُهُ سَليمةً فَحَفِظَها اللهُ لهُ بِبَركَةِ دعاءِ النبيِّ الأعظَمِ صلى الله عليه وسلم حيثُ تُوفِّي العباسُ فِي خِلافةِ عُثمانَ بنِ عَفَّانَ رضي الله عنهُما وهُوَ ابنُ ثَمانٍ وثمانينَ سنةً ولَمْ يَسْقُطْ لَهُ ضِرْسٌ.
وقدْ قالَ الحافظُ السيوطيُّ عندَما سُئلَ عنْ عملِ المولدِ الشريفِ فِي رسالةٍ سمَّاها “حسنَ المقصدِ في عملِ المولدِ” قالَ: «أصلُ عملِ المولدِ الذي هو اجتماعُ الناسِ وقراءةُ ما تيسَّر مِنَ القرءانِ وروايةُ الأخبارِ الواردةِ في مَبْدَأ أمرِ النبيِّ وما وقعَ في مولدِه مِنَ الآياتِ، ثمَّ يُمَدُّ لهمْ سِماطٌ يأكلونَه وينصرفونَ مِنْ غيرِ زيادةٍ على ذلكَ هوَ منَ البدعِ الحسنةِ التِي يُثابُ عليها صاحبُها لِمَا فيه مِنْ تعظيمِ قدرِ النبيِّ وإظهارِ الفرحِ والاستبشارِ بمولدِه الشريفِ صلى الله عليه وسلم.»
ولادة النبي ﷺ
وكانتْ ولادتُه صلى الله عليه وسلم عندَ طلوعِ الفجرِ لثِنْتَي عشرةَ ليلةً مَضَتْ مِن ربيعِ الأولِ علَى الأشهرِ.
وروَى أحمدُ فِي مسندِه والبيهقيُّ عنِ ابنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وُلِد يومَ الاثنينِ ونُبِّئَ يومَ الاثنينِ وهاجرَ يومَ الاثنينِ ودخلَ المدينةَ يومَ الاثنينِ وماتَ يومَ الاثنينِ.
وقدْ وقعَ فِي حالِ ولادةِ المصطفَى خوارقُ عجيبةٌ.
ومِنْ أَجْمَعِ ما نُظِم فِي ذِكْرِ عَجائِب يومِ مَوْلِدِ النبيِّ الكريمِ قولُ الشاعرِ:
وَمَوْلِدُهُ قَدْ كَانَ فِيهِ عَجَائِبٌ
وَنُكِّسَتِ الأَصْنَامُ حَقًّا بِلَا مِرَا
وَإِيوَانُ كِسْرَى قَدْ تَصَدَّعَ هَيْبَةً
لِطٰه رَسُولِ اللهِ أَفْضَلِ مَنْ قَرَا
وَأُخْمِدَتِ النِّيرَانُ فِي أَرْضِ فَارِسٍ
وَبَشَّرَتِ الرُّهْبَانُ قَوْلًا تَسَطَّرَا
وَأَصْبَحَتِ الأَكْوَانُ تَزْهُوْ تَفَاخُرًا
بِوِجْدَانِ مَنْ بِالفَضْلِ قَدْ زَانَ الوَرَى
وقد نَزَل مَخْتُونًا نَظِيفًا مقطُوعَ السُّرَّة، ووقعَ إلى الأرضِ مَقبُوضةً أصابعُ يَدِه مُشِيرًا بالسَّبَّابةِ كالْمُسَبِّحِ بهَا.
في حب النبي المصطفى ﷺ ومقامه العظيم
ماذا عسانَا نقولُ مِنَ القولِ السديدِ في يومِ مولدِ الحبيبِ سيدِنا محمدٍ؟ يا رسولَ اللهِ أيُّها الفخمُ المفخَّمُ والنبيُّ المعظَّمُ والحبيبُ الـمُكرَّمُ.. يا صاحبَ الفَضْلِ على أمتِك… يا مَنْ ءاثَرْتَ أُمتَكَ بدعوتِكَ التي أعطاكَ ربُّك فقلتَ: لِكُلّ نَبِيّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيّ دَعْوَتَهُ. (رواه مسلم) ولكنَّكَ اخْتَبَأْتَهَا شفاعةً لهم وذلكَ مِنْ رحمتِكَ بهمْ وأنتَ كمَا وَصَفَكَ ربُّكَ في كتابِه ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيم﴾. وأنتَ الذِي يُقالُ لكَ يومَ القيامةِ «يا محمدُ سَلْ تُعْطَ واشْفَعْ تُشَفَّعْ» وأنتَ الذِي تقولُ «أَيْ ربِّ أُمَّتي أمتي» اهـ رواهُ النَّسائيُّ. وأنتَ الذي أرشدْتَ للخيرِ، فجزاكَ اللهُ عنْ هذهِ الأمةِ خيرَ الجزاءِ.
روى البيهقي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَتْ يَهُوَدُ خَيْبَرَ تُقَاتِلُ غَطَفَانَ، فَكُلَّمَا الْتَقَوْا هُزِمَتْ يَهُوَدُ خَيْبَرَ، فَعَاذَتِ الْيَهُودُ، بِهَذَا الدُّعَاءِ، فَقَالَتِ: اللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي وَعَدْتَنَا أَنْ تُخْرِجَهُ لَنَا فِي آخِرِ الزَّمَانِ إِلَّا نَصَرْتَنَا عَلَيْهِمْ. قَالَ: فَكَانُوا إِذَا الْتَقَوْا دَعَوْا بِهَذَا الدُّعَاءِ، فَهَزَمُوا غَطَفَانَ. فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ ﷺ كَفَرُوا بِهِ فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى: ﴿وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ، فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾.
فطبت حيًّا وميتا يا سيدي يا رسول الله، وطاب ذكرُك، وطاب مجلسٌ ذُكِرت فيه يا رسول الله وطابت ألسن صَلَّت عليك، وأَنِسَتْ بذِكْرِك، كيف لا نفرح بك يا حبيب الله، وكيف لا يطيب المجلس بذكر محمد ﷺ، وهُوَ عليه الصلاة والسلام السَّاجِدُ الرَّاكِعُ، الخَاشِعُ الخَاضِعُ، الحَلِيمُ المُتَوَاضِعُ، سَيِّدُ السَّادَاتِ، وَأَصْلُ البَرَكَاتِ وَمَنْبَعُ الخَيْرَاتِ.
ريقهُ أَحْلَى مِنَ الشَّهْدِ، وَخَدُّهُ أَبْهَى مِنَ الوَرْدِ، وَعَرَقُهُ أَطْيَبَ مِنَ النَّدِّ. [نوع من الطيب يخلط فيه المسك]
شَعَرُهُ كَشُذُورِ أي قطع الذَّهَبِ، وَمِشْيَتُهُ كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ. [القوة والنشاط وشيء من السرعة، وهذا معنى “كأنما انحط من صبب” فالذي يهبط من أعلى إلى أسفل هذه صفته. 2- والتقلع، يعني القوة في المشي، والارتفاع من الأرض]
نَبِيٌّ انْشَقَّ لَهُ القَمَرُ، وَسَعَى إِلَيْهِ الشَّجَرُ، وَسَبَّحَ فِي كَفِّهِ الحَجَرُ. نَبِيٌّ أَمْرُهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ، وَطَاعَتُهُ طَاعَةٌ لِلّهِ، وَبَيْعَتُهُ بَيْعَةٌ لِلّه. نَبِيٌّ مَا ضَلَّ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى. نَبِيٌّ سَمَّاهُ اللهُ نُورًا، وَجَعَلَهُ سِرَاجًا مُنِيرًا. نَبِيٌّ أَخَذَ اللهُ لَهُ مِنَ الأَنْبِيَاءِ المِيثَاقَ، وَعَرَجَ بِهِ فَوْقَ السَّبْعِ الطِّبَاقِ.
نَبِيٌّ أَكْمَلَ اللهُ لَهُ الدِّينَ، وَأَتَمَّ عَلَيْهِ النِّعْمَةَ، وَجَعَلَ أَتْبَاعَهُ خَيْرَ أُمَّةٍ.
نَبِيٌّ اصْطَفَاهُ اللهُ تَعَالَى وَاجْتَبَاهُ، وَعَصَمَهُ وَطَهَّرَهُ وَآوَاهُ، وَأَيَّدَهُ وَكَفَاهُ، وَنَصَرَهُ فِي كُلِّ مَوطِنٍ وَكَانَ مَوْلَاهُ. كَيْفَ لَا، وَهُوَ مَعْدِنُ الأَنْوَارِ، وَمَنْبَعُ الأَسْرَارِ، وَسَيِّدُ الأَبْرَارِ. كَيْفَ لَا، وَهُوَ أَشْرَفُ العِبَادِ، وَأَفْضَلُ العُبَّادِ. كَيْفَ لَا، وَهُوَ حَبِيبُ اللهِ، وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَمُشَفَّعٍ، وَأَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الجَنَّةِ.
عباد الله خففوا عَن ظهوركم الذُّنُوبَ الثقالَ وفكوا رِقَابَكُمْ من السلَاسِل والأغلال وارغبوا فِي نعيم دَار الْخلد والجلال بصلاتكم على مُحَمَّد رَسُول الْكَبِير المتعال.
روى مسلم في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ: تَلَا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي﴾.
وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي»، وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: «يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟» فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِمَا قَالَ، فَقَالَ اللهُ: “يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلَا نَسُوؤُكَ “. ويوم القيامة يقول ﷺ أنا أول من يجوز بأمته الصراط.
الوصايا بزيادة الحب للنبي ﷺ والاحتفاء بمولده الشريف
أحبابي أيها المحتفلون بمولد محمد ﷺ
ازدادوا عشقا للمزمل فقد روى أنس أن رجلا أتى إلى النبي ﷺ فقال له يا رسول الله متى الساعة؟ فقال ماذا أعددت لها فقال ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله فقال ﷺ أنت مع من أحببت.
ازدادوا حبا لمحمد ﷺ حين تسمعوا قوله تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا﴾ قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي ثَوْبَانَ مَوْلَى رسول اللَّه ﷺ، وَكَانَ شَدِيدَ الْحُبِّ لَهُ، قَلِيلَ الصَّبْرِ عَنْهُ، فَأَتَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ وَقَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَنَحِلَ جِسْمُهُ، يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْحُزْنُ، فَقَالَ لَهُ [رَسُولُ اللَّهِ] : يَا ثَوْبَانُ، مَا غَيَّرَ لَوْنَكَ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بِي مِنْ ضُرٍّ وَلَا وَجَعٍ، غَيْرَ أَنِّي إِذَا لَمْ أَرَكَ اشْتَقْتُ إِلَيْكَ، وَاسْتَوْحَشْتُ وَحْشَةً شَدِيدَةً حَتَّى أَلْقَاكَ، ثُمَّ ذَكَرْتُ الْآخِرَةَ وَأَخَافُ أَنْ لَا أَرَاكَ هُنَاكَ، لِأَنِّي أَعْرِفُ أَنَّكَ تُرْفَعُ مَعَ النَّبِيِّينَ، وَأَنِّي إِنْ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ كُنْتُ فِي مَنْزِلَةٍ أَدْنَى مِنْ مَنْزِلَتِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
(وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا)
رُوِيَ عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ «من صلى عَليّ ألف مرّة لم يخرج من الدُّنْيَا حَتَّى يبشر بِالْجنَّةِ»
ازدادوا حبا للشفيع فهو الذي تزين العرش باسمه وهو الذي توسل الأعمى به إلى الله عز وجل فبرئ بإذن الله تعالى كيف لا وهو الذي كان وسيلة أبينا آدم عليه السلام. كيف لا نحتفل بمولده الشريف المبارك وهو الذي بشرت به الملائكة الكرام، بل هو الذي بشر به الأنبياء من آدم إلى عيسى عليه السلام، كيف لا نحبه وقد حن إليه جذع يبيس لا روح ولا لحم ولا دم فيه كيف لا نجتمع لذكره ﷺ وهو الذي شكا له البعير وشكت له الظبية ونطق الضب بين يديه يشهد له بالنبوة والرسالة ويصدقه فيما يقول كما روى البيهقي وغيره. كيف لا نهوى محمدا وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
فكيف لا تعشقون محمدا وكيف لا نزداد عشقا لمحمد ﷺ.
حدثني عن الصداقة و الصحبة و الحب بما شئت فوالله لن تبلغ عشر معشار قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه «فشرب النبي ﷺ حتى ارتويت» .
أنوار الصلاة على النبي ﷺ وأسرار الاحتفال بمولده المبارك
اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد عدد قطر الأمطار، وَعدد رمال الأودية والقفار، وَعدد ورق الأشجار، وَعدد زبد البحار، وَعدد مياه الأنهار، وَعدد مثاقيل الجبال والأحجار، وَعدد أهل الجنة وأهل النار، وَعدد الأبرار والفجار، وَعدد ما يختلج في الليل والنهار.
واجعَل اللَّهُمَّ صلاتنا عليه حجابًا من عذاب دار البوار، وسببا لإباحة دار القرار.
اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد النبي المختار، وسيد الأبرار، وزين المرسلين الأخيار، وأكْرم من أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار، أبي القاسم النبي الصادق المختار، وعلى ذريته، وعلى جميع القرابة والأصحاب.
وتوفنا اللَّهُمَّ على سنته، واجعلنا من أهل ولايته، وانفعنا بهدايته وعنايته، وأدخلنا الجنة مع صحابته الأبرار الطيبين الأخيار.
آمين آمين يا أرحم الراحمين.
إخواني، إننا إذ نجتمع للاحتفال بشهر مولد النبي ﷺ، لنعتقد أن هذا يزيد حبه في قلوبنا، ويزيد تعظيمه في نفوسنا، ويغرس حبه في قلوب أولادنا وبناتنا والمسلمين.
رائحته ﷺ أطيب من المسك، وعرقه كأنه اللؤلؤ، وكان ﷺ إذا صافحه الرجل وجد ريحه، وإذا وضع يده على رأس صبي، فيظل يومه يُعرَف من بين الصبيان بريحه على رأسه.
وروى البيهقي عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: كنتُ قاعدةً أَغْزِلُ والنبيُّ يَخْصِفُ نَعْلَهُ، فَجَعَلَ جَبِينُهُ يعرقُ، وَجَعَلَ عَرَقُهُ يتوَّلدُ نوراً، فَبُهِتُّ، فَنَظَرَ إليَّ رسولُ الله فقالَ: «مَا لَكِ يا عائشةُ بُهِتِّ؟»، قلتُ: جعَلَ جَبِينُكَ يَعْرَقُ، وَجَعَلَ عَرَقُكَ يَتَوَلَّدُ نُوراً، ولو رَآكَ أبو كبيرٍ الهُذَلِيُّ لَعَلِمَ أَنَّكَ أحقُّ بِشِعْرِهِ». قالَ: «وما يقولُ أبو كبيرٍ؟»، قالتْ: قلتُ: يقول:
وُمُبَرَّإ مِنْ كُلِّ غُبَّرِ حَيْضَةٍ
وفَسَادِ مُرْضِعَةٍ ودَاءٍ مُغِيلِ
فَإِذَا نَظَرْتَ إلَى أَسِرَّةِ وَجْهِهِ
بَرَقَتْ كَبَرْقِ العَارِضِ المُتَهَلِّلِ
قالتْ: فقامَ إليَّ النبيُّ وقَبَّلَ بينَ عَيْنَيَّ، وقالَ: «جَزَاكِ الله يا عائشةُ عَنِّي خيراً، ما سُرِرْتِ مِنِّي كَسُرُورِي مِنْكِ».
وإن آثار ولادة نبينا ﷺ ظاهرة على البشرية، وظاهرة عبر السنين، ويشهد بها القريب والبعيد، والصديق والعدو.
كان الناس قبل بعثته ﷺ يعبدون الأصنام والكواكب، ويعبدون بعضهم البعض، حتى وصل الجهل ببعضهم إلى أن يصنعوا صنمًا من تمر فيعبدونه، وعندما يجوعون يأكلونه.
فصاروا بعد ذلك دعاة إلى التوحيد، وإلى أنوار الهداية، وإلى عبادة الله الواحد الأحد، الذي ليس كمثله شيء، الذي ليس جسمًا ولا يشبه الأجسام، الذي لا يحويه مكان، ولا يجري عليه زمان.
فنوَّر محمد ﷺ عقولهم وقلوبهم بنور الإيمان والتوحيد.
اللهم صل على سيدنا محمد، أكرم من أظلم عليه ليلٌ وأشرق عليه نهار.
ألفُ ألف صلاة مع ألف ألف سلام عليك يا سيدي يا رسول الله.
ألف ألف صلاة مع ألف ألف سلام عليك يا حبيب الله.
ألف ألف صلاة مع ألف ألف سلام عليك يا صاحب الذكرى يا رسول الله.
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
جزاك الله يا رسول الله عنا خيرًا.
جزاك الله يا سيدي يا حبيب الله، يا صاحب المولد العطر.
جزاك الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
اللهم صل على محمد النبي الأمي الحبيب المحبوب العالي القدر العظيم الجاه، وعلى آله وصحبه وسلم.
عندما تصلي على رسول الله ﷺ، يا من تحب الصلاة على محمد، يا من تفرح بمحمد، يا من تفرح بمولد محمد، يا من تسعى إلى رياض الجنة حيث يحتفل بمولد محمد ﷺ، فصلِّ على حبيبك محمد فإذا بالملك يوصل صلاتك وسلامك إلى رسول الله ﷺ في المدينة المنورة. أنت في مكانك لا تفارقه، وإنما تحرك لسانك، فصليت على حبيبك، صليت على رسولك، صليت على نبيك. صلاة حملها ملك من ملائكة الله من حيث أنت إلى قبر رسول الله ﷺ، قائلاً له: يا رسول الله، فلان بن فلان يسلم عليك. فيدعو لك رسول الله ويرد السلام.
اللهم صل صلاة كاملة وسلم سلامًا تامًا على سيدنا محمد الذي تنحل به العقد، وتنفرج به الكرب، وتقضى به الحوائج، وتنال به الرغائب، وحسن الخواتيم، ويستسقى الغمام بوجه الكريم، وعلى آله وصحبه وسلم.
ألا تهتز القلوب لرسول الله لذلك الاحتفال بمولد محمد ﷺ.
مما نقله الدمياطي عما كان يقال له سلطان العارفين الإمام المصري جلال الدين السيوطي رحمه الله، يقول:
«إن البيت والمحلة والمسجد الذي يحتفل فيه بمولد محمد ﷺ، هذا البيت تحفه الملائكة، هذا المكان تحفه الملائكة، تتغشاه الرحمة، ويأتي جبريل وإسرافيل عليهما السلام فيصلون [أي يدعون] على من يقعد محتفلاً بمولد محمد ﷺ، وإن البيت والمحلة والمسجد الذي يحتفل فيه بمولد رسول الله ﷺ لا تصيبه الآفات في ذلك العام، يبعد الله عنه النكبات والمصاعب، ويحفظ من اللصوص ومن العين ومن الحسد، ويجعل الله تعالى أمانًا لأهله في تلك الدار في ذلك العام، ببركة الاحتفال بمولد رسول الله ﷺ».
وينقل أيضًا عن إمام كبير من أئمة الإسلام هو الإمام المفسر فخر الدين الرازي رحمه الله في بركات مولد رسول الله ﷺ، فيقول:
«إذا قرأ مولد رسول الله ﷺ على الطعام بارك الله تعالى في ذلك الطعام، وإذا قرأ مولد رسول الله ﷺ على الماء ثم شربت هذا الماء، يقول الرازي: يدخل عليك ما شربت من ماء قد قرأ عليه مولد رسول الله ﷺ ألف رحمة، وتخرج منك ألف علة. هذا كله من بركات رسول الله ﷺ».
ويروى كذلك عن شيخ القراء الإمام ابن الجزري رحمه الله:
«إن الذي يحتفل بمولد رسول الله ﷺ يكون له في ذلك العام أمان وبشرى عاجلة ببلوغ المرام».
اللهم أنلنا مرامنا بعزة الإسلام، بعزة المسلمين، بتفريج الكرب عن المسلمين في غزة وفلسطين، ببركة رسول الله ﷺ، وببركة مولد المصطفى ﷺ.
وكان إمام التابعين الحسن البصري رحمه الله يقول:
«وددت أني أملك مثل جبل أحد ذهبًا لأنفقه على قراءة مولد رسول الله ﷺ».
وكان الإمام الجنيد البغدادي رحمه الله يقول:
«إن الذي يذهب إلى مكان مولد رسول الله ﷺ، أي حيث يحتفل بمولد رسول الله ﷺ، فقد فاز بالإيمان».
ويقول الإمام العارف بالله معروف الكرخي رضي الله تعالى عنه فيمن يحتفل بمولد رسول الله ﷺ:
«إن من هيأ طعامًا فرحًا برسول الله ﷺ، وأوقد سراجًا، ولبس جديدًا، وتعطر وتجمل تعظيمًا لرسول الله ﷺ، فإنه يحشر مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ويكتب في أعلى عليين».
كل ذلك ببركة الاحتفال بمولد رسول الله ﷺ يا أحباب رسول الله.
يروى عن أبي موسى رحمه الله قال: كان بعض الناس يسأل عن الولائم والطعام الذي يقدم في مولد رسول الله ﷺ، قال: فنمت فرأيت رسول الله ﷺ في المنام، فسألته، فقلت: يا رسول الله، هذه الولائم التي تقدم في مولدك فرحًا بك، ما تقول فيها؟ فأجابه المصطفى ﷺ قائلاً: «من فرح بنا فرحنا به»، أي من فرح بمحمد فرح محمد به.
ولكن قولوا لي: كل هذا يا إخواني الذين نقدمه، ماذا يكون بالنسبة للذي قدمه لنا محمد ﷺ؟ ماذا يكون؟
أليس رحمنا الله تعالى به؟
أليس هو من أنقذ الناس من الكفر والضلال؟
أليس الذي أنقذ الناس من النار؟
فماذا يكون مما نقدمه نحن للنبي المختار ﷺ؟
وأنصحكم لله تعالى ليكون ذلك لكم أمانًا من الزلازل، من النكبات، ومن المصائب، ليفيض الله عليكم من البركات، من الخيرات، ومن النفحات.
من نفحات محمد، ومن أمداد محمد، ومن أنظار محمد، ومن ألطاف محمد، من أسرار محمد في كل بيت يحب محمد ﷺ.
فليكن لهذا البيت، وفي هذا البيت حصة من الفرح بمولد محمد ﷺ وقراءة لمولد محمد عليه الصلاة والسلام.
وليكن من جملة أورادكم، يا أحباب محمد، تلك الصلاة التي كانت على محمد ﷺ، وقدمت بها مجلسي مما يقال عنه شمس الشام، محدث الشام، محدث الديار الشامية، الولي الصالح العارف بالله مولانا الشيخ بدر الدين الحسني رضي الله عنه وأرضاه هذا العارف بالله، هنيئًا له، كان يكثر الصلاة على رسول الله ﷺ، في اليوم الواحد كان يصلي على رسول الله ﷺ أكثر من 80 ألف مرة.
ثم يوجد صيغة كان يعلمها ويوصي بهذه الصيغة في الصلاة على رسول الله ﷺ كل يوم 7 مرات وكل جمعة 10 مرات:
اللهم صل على سيدنا محمد صلاة تحسن بها الأخلاق، وتيسر بها الأرزاق، وتدفع بها المشاق، وتمنع بها الآفات، وعلى آله وصحبه وسلم، من يوم خلقت الدنيا إلى يوم التلاق، واسترنا بين يديك يا عزيز يا غفار.
هذه الصيغة رؤي رسول الله ﷺ في المنام يعلمها كذلك، ويطلب من بعض الناس الذين سألوه عليه الصلاة والسلام في المنام عن صيغة يصلون بها على رسول الله ﷺ، فقال: «اذهبوا إلى الشيخ بدر الدين الحسني، عنده صيغة أحبها في الصلاة عليَّ»، فكانت هذه الصيغة.
امرأة بسيطة كانت تكثر كذلك من قول: «ألف ألف صلاة مع ألف ألف سلام عليك يا سيدي يا رسول الله، ألف ألف صلاة مع ألف ألف سلام عليك يا حبيب الله».
فكانت تكثر منها، فلما حضرتها الوفاة كانت ترفع يدها وهي في الاحتضار وتقول: «ألف ألف صلاة مع ألف ألف سلام عليك يا رسول الله، ألف ألف صلاة مع ألف ألف سلام عليك يا حبيب الله» حتى خرجت روحها.
اللهم إنا قد حضرنا مولد نبيك الكريم عليه الصلاة والسلام، فأفض علينا بالقبول والتكريم، واجعل لنا من بركة رياض الجنة، من بركة مولد رسول الله.
يا رب لا تجعل بيننا أحدًا ممن حضر في هذه الليلة محروماً من بركة هذا المولد.
لا تجعل بيننا محروماً من بركة محمد، لا تجعل يا مولانا محروماً من مولد محمد، ومن حب محمد، ومن بركة محمد.
فاجعل لنا وعلينا وعلى أهلنا ودورنا وبلادنا وبلاد المسلمين من بركة محمد، من بركة مولد محمد ﷺ.