بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، أَمَّا بَعدُ:
اسمها ونسبها رضي الله عنها
هِيَ فَاطِمَةُ بِنتُ مُحَمَّدِ ﷺ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافِ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلابِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبِ بنِ فِهْرِ بنِ مَالِكِ بنِ النَّضْرِ بنِ كِنَانَةَ بنِ خُزَيْمَةَ بنِ مُدْرِكَةَ بنِ إِلْيَاسَ بنِ مُضَرَ بنِ نِزَارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدْنَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا وَأَرضَاهَا.
هِيَ البَضْعَةُ النَّبَوِيَّةُ كَمَا قَالَ رَسُول اللهِ ﷺ إِنَّهَا بَضعَةٌ مِنهُ أَي قِطعَةٌ مِنهُ، بِنْتُ رَسُوْلِ اللهِ ﷺ، سَيِّدَةُ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ فِي زَمَانِهَا، حَبِيبَةُ سَيِّدِ الخَلْقِ رَسُوْلِ اللهِ ﷺ، القُرَشِيَّةُ، الهَاشِمِيَّةُ، وَأُمُّ الحَسَنَيْنِ، وَأُمُّهَا أُمُّ المُؤمِنِينَ السَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ بِنتُ خُوَيلِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهَا.
رَوَتْ عَنْ أَبِيْهَا ﷺ، وَرَوَى عَنْهَا ابْنُهَا الحُسَيْنُ، وَعَائِشَةُ، وَأُمُّ سَلَمَةَ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَغَيْرُهُم، وَرِوَايَاتُهَا فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ.
وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُحِبُّهَا وَيُكْرِمُهَا وَيَضَعُ عِندَهَا سِرَّهُ ﷺ، ومَنَاقِبُهَا غَزِيْرَةٌ فَقَد كَانَتْ صَابِرَةً، طَاهِرَةً، دَيِّنَةً، خَيِّرَةً، صَيِّنَةً، قَانِعَةً، شَاكِرَةً للهِ عَزَّ وَجَلَّ.
مولدها رضي الله عنها
وُلِدَت السَّيِّدَةُ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهَا وَأَرضَاهَا قَبلَ البِعثَةِ وَالكَعبَةُ تُبنَى، وَالنَّبِيُّ ﷺ ابنُ خَمسٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَقِيلَ بَعدَ البِعثَةِ.
وَالسَّيِّدَةُ فَاطِمَةُ هِيَ الابنَةُ الرَّابِعَةُ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ مِنَ السَّيِّدَةِ خَدِيجَةَ، فَهِيَ بَعدَ زَينَبَ وَرُقَيَّةَ وَأُمِّ كُلثُومٍ، لَكِن كَانَت هِيَ الأَتقَى وَالأَخشَعُ وَالأَخشَى للهِ تَعَالَى، وَكَانَت رُوحُهَا أَقوَى تَعَلُّقًا بِطَاعَةِ اللهِ تَعَالَى مِن أَخَوَاتِهَا الثَّلَاثَةِ زَينَبَ وَرُقَيَّةَ وَأُمِّ كُلثُومٍ.
نشأتها رضي الله عنها
شَهِدَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهَا مُنذُ حَدَاثَةِ سِنِّهَا أَحدَاثًا جِسَامًا كَثِيرَةً، فَقَد كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَابِرُ أَذَى قُرَيشٍ فَكَانَ عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ وَامرَأَتُهُ أُمُّ جَمِيلٍ لَا يَفتَؤُونَ يُؤذُونَهُ أَشَدَّ الأَذَى ﷺ.
وَمِن أَشَدِّ مَا قَاسَتهُ مِن آلَامٍ فِي بِدَايَةِ الدَّعوَةِ المُحَمَّدِيَّةِ ذَلِكَ الحِصَارَ الَّذِي حُوصِرَ فِيهِ المُسلِمُونَ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ مَعَ بَنِي هَاشِمٍ فِي شِعبِ أَبِي طَالِبٍ، فَلَم يَكُنِ المُشرِكُونَ يَترُكُونَ طَعَامًا يَدخُلُ إِلَى شِعبِ بَنِي هَاشِمٍ، حَتَّى أَصَابَ بَنِي هَاشِمٍ التَّعَبُ وَاضطُرَّ بَعضُهُم إِلَى أَكلِ الأَورَاقِ وَالجُلُودِ، وَكَانَ لَا يَصِلُ إِلَيهِم شَيءٌ مِنَ الطَّعَامِ إِلَّا خُفيَةً.
وَمَا كَادَت فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهَا وَأَرضَاهَا تَخرُجُ مِن مِحنَةِ الحِصَارِ حَتَّى فُوجِئَت بِوَفَاةِ أُمِّهَا خَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا، فَامتَلَأَت نَفسُهَا حُزنًا وَأَلَمًا عَلَى فِرَاقِهَا، لَكِنَّهَا كَانَت صَابِرَةً فَلَم يَزِدهَا ذَلِكَ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسلِيمًا وَدِفَاعًا عَنِ الإِسلَامِ وَعَن أَبِيهَا ﷺ.
زواجها رضي الله عنها من علي كرم الله وجهه
زَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ بَعدَ بَدرٍ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الهِجرَةِ، وَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ: “أَمَا تَرضَينَ أَن زَوَّجتُكِ أَقدَمَ أُمَّتِي سِلمًا وَأَكثَرَهُم عِلمًا وَأَحلَمَهُم حِلمًا” رَوَاهُ أَحمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَفِي رِوَايَةٍ عِندَ الطَّبَرَانِيِّ: “لَقَد زَوَّجتُكِ سَعِيدًا فِي الدُّنيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ” وَدَعَا لَهُمَا ﷺ: “جَمَعَ اللهُ بَينَكُمَا وَبَارَكَ فِي سَيرِكُمَا وَأَصلَحَ بَالَكُمَا” وَفِي بَعضِ الرِّوَايَاتِ زِيَادَةُ أَنَّهُ ﷺ دَعَا لَهَا قَائِلًا: “اللهم إِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ“.
وَصَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ جَلَّلَ فَاطِمَةَ وَزَوْجَهَا وَابْنَيْهِمَا بِكِسَاءٍ وَقَالَ
اللَّهُمَّ هَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتِي، اللَّهُمَّ فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ، وَطَهِّرْهُم تَطْهِيْراً
رواه أحمد والترمذي
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لَيلَةَ بَنَى عَلِيٌّ بِفَاطِمَةَ: “لَا تُحدِث شَيئًا حَتَّى تَلقَانِي“، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ مِنهُ، ثُمَّ أَفرَغَهُ عَلَيهِمَا وَقَالَ: “اللهم بَارِك فِيهِمَا، وَبَارِك عَلَيهِمَا، وَبَارِك لَهُمَا فِي نَسلِهِمَا“.
رواه الطبراني في المعجم الكبير
وَوَلَدَت لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مِنَ الذُّكُورِ: الحَسَنَ وَالحُسَينَ وَمُحسِنًا (مَاتَ صَغِيرًا)، وَمِنَ الإِنَاثِ: أُمَّ كُلْثُوْمٍ زَوْجَةَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وَزَيْنَبَ زَوْجَةَ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ.
منزلتها رضي الله عنها عند رسول الله ﷺ
عَن أُسَامَةَ بنِ زَيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ:”أَحَبُّ أَهلِي إِلَيَّ فَاطِمَةُ“.
رواه الترمذي والحاكم
وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أَنَّهَا قَالَتْ
مَا رَأَيْتُ أَحَداً كَانَ أَشْبَهَ كَلاَمًا وَحَدِيْثًا بِرَسُوْلِ اللهِ ﷺ مِنْ فَاطِمَةَ، وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَامَ إِلَيْهَا فَقَبَّلَهَا وَرَحَّبَ بِهَا، وَكَذَلِكَ كَانَتْ هِيَ تَصْنَعُ بِهِ اهـوَفِي رِوَايَةٍ عِندَ الحَاكِمِ عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أَنَّهَا قَالَت
وَكَانَت إِذَا دَخَلَت عَلَيهِ قَامَ إِلَيهَا فَقَبَّلَهَا وَرَحَّبَ بِهَا وَأَخَذَ بِيَدِهَا فَأَجلَسَهَا فِي مَجلِسِهِ، وَكَانَت هِيَ إِذَا دَخَلَ عَلَيهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ قَامَت إِلَيهِ مُستَقبِلَةً وَقَبَّلَت يَدَهُ.
وَعَن رَسُولِ اللهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ لِفَاطِمَةَ
رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما
يَا فَاطِمَةُ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ.
وَعَن رَسُولِ اللهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ
رواه البخاري
فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي.
وَعَن رَسُولِ اللهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ
رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما
فَإِنَّمَا هِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي يُرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا.
حِشمَتها رضي الله عنها
لَمَّا حَضَرَ فَاطِمَةَ المَوتُ قَالَت لِأَسمَاءَ بِنتِ عُمَيسٍ يَا أَسمَاءُ، إِنِّي قَد استَقبَحتُ مَا يُصنَعُ بِالنِّسَاءِ، يُطرَحُ عَلَى المَرأَةِ الثَّوبُ فَيَصِفُهَا، فَقَالَت أَسمَاءُ يَا ابنَةَ رَسُولِ اللهِ ﷺ أَلَا أُرِيكِ شَيئًا رَأَيتُهُ بِأَرضِ الحَبَشَةِ؟ فَدَعَت بِجَرَائِدَ رَطبَةٍ فَحَنَتهَا، ثُمَّ طَرَحَت عَلَيهَا ثَوبًا، فَقَالَت فَاطِمَةُ: مَا أَحسَنَ هَذَا وَأَجمَلَهُ، فَإِذَا أَنَا مِتُّ فَاغسِلِينِي أَنتِ وَعَلِيٌّ، وَلَا تُدخِلِي عَلَيَّ أَحَدًا.
وفاتها رضي الله عنها
عَاشَت بَعدَ أَخَوَاتِهَا الثَّلَاثِ حَيثُ إِنَّ زَينَبَ وَرُقَيَّةَ وَأُمَّ كُلثُومٍ مُتْنَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، أَمَّا فَاطِمَةُ فَقَد تُوُفِّيَت بَعدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ بِسِتَّةِ أَشهُرٍ، حَيثُ مَاتَت سَنَةَ إِحدَى عَشرَةَ مِنَ الهِجرَةِ.
وَرَوَى ابنُ الأَثِيرِ أَنَّهَا مَا رُئِيَت ضَاحِكَةً بَعدَ وَفَاةِ أَبِيهَا ﷺ.
وَتَوَلَّى غَسلَهَا عَلِيٌّ وَأَسمَاءُ بِنتُ عُمَيسٍ كَمَا أَوصَت هِيَ، وَدُفِنَتْ لَيْلًا وصَلَّى عَلَيْهَا عَلِيٌّ، وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهَا هُوَ وَالعَبَّاسٌ وَالفَضْلُ، وَهِيَ أَوَّلُ مَن غُطِّيَ نَعشُهَا فِي الإِسلَامِ، رَضِيَ اللهُ عَنهَا وَأَسكَنَهَا فَسِيحَ جَنَّاتِهِ.
فضل فاطمة رضي الله عنها يوم القيامة
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ
“إِذَا كَانَ يَومُ القِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ مِنْ وَرَاءِ الحُجُبِ يَا أَهْلَ الجَمْعِ غُضُّوا أَبْصَارَكُم عَن فَاطِمَةَ بِنتِ مُحَمَّدٍ حَتَّى تَمُرَّ“
رواه الحاكم
قَالَ المُنَاوِيُّ: قَولُهُ نَادَى مُنادٍ أَي مَلَكٌ مِنَ المَلَائِكَةِ، قَولُهُ مِن وَرَاءِ الحُجُبِ أَي مِن غَيرِ أَنْ يَرَاهُ النَّاسُ، قَولُه يَا أَهلَ الجَمْعِ أَي يَا أَهلَ المَوقِفِ، قَولُهُ غُضُّوا أَبصَارَكُم أَي أَنزِلُوهَا وَنَكِّسُوهَا، قَولُهُ حَتَّى تَمُرَّ أَي تَذهَبَ وَتَجُوزَ إِلَى الجَنَّةِ.
وَالمُرَادُ غَيرُ مَحَارِمِهَا، أَمّا مَحَارِمُهَا فَيَنظُرُونَ، الرِّجَالُ فَقَط يَغُضُّونَ أَبصَارَهُم أَمَّا النِّسَاءُ فَيَنْظُرنَ.
وَذَلِكَ لِإِظهَارِ شَرَفِهَا رَضِيَ اللهُ عَنهَا، فَهِيَ أَفضَلُ امرَأةٍ مِن هَذِهِ الأُمَّةِ وَهِيَ صِدِّيقَةٌ.
وَاللهُ تَعَالَى أَعلَمُ وَأَحكَمُ، وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
المصادر
هَذِهِ المَسَائِلُ مَجمُوعَةٌ وَمُلَخَّصَةٌ مِن:
- كتاب أُسدِ الغابة.
- سُنَن الترمذي.
- الإصابة في تمييز الصحابة.