الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه

الصحابي الجليل الثقة العدل التقي النقي أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه

بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ

الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، أَمَّا بَعدُ:

المقدمة

يَقُولُ اللهُ تَعَالَى

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة

سُورَةُ البينة: 7

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ

نَضَّرَ ‌اللهُ ‌امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي، فَوَعَاهَا، ثُمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَا فِقْهَ لَهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ

رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَالْحَاكِمُ وَأَحْمَدُ فِي مَسْنَدِهِ وَاللَّفْظُ لَهُ

هُوَ إِمَامُ الحَافِظِينَ، عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ الشَّرِيعَةِ وَالدِّينِ، مُحَدِّثُ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ، الثِّقَةُ العَدْلُ التَّقِيُّ النَّقِيُّ أَبُو هُرَيْرَةُ عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ صَخرٍ الدَّوْسِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

اسمه وكنيته رضي الله عنه

اخْتُلِفَ فِي اسمِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ قَوْلًا، وَلَكِنَّ المَشْهُورَ بَيْنَ الحُفَاظِ أَنَّهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ الدَّوْسِيُّ، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُكَنِّيهِ أَبَا هِرٍّ.

سبب تكنيته رضي الله عنه بأبي هريرة

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: كُنْتُ ‌أَرْعَى ‌غَنَمَ ‌أَهْلِي، فَكَانَتْ لِي هُرَيْرَةٌ صَغِيرَةٌ فَكُنْتُ أَضَعُهَا بِاللَّيْلِ فِي شَجَرَةٍ، فَإِذَا كَانَ النَّهَارُ ذَهَبْتُ بِهَا مَعِي فَلَعِبْتُ بِهَا فَكَنَّوْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

قصة إسلامه رضي الله عنه

كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَقُولُ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَرَسُولُ اللهِ ﷺ بِخَيْبَرَ، فَوَجَدْتُ رَجُلا مِنْ بَنِي غِفَارَ يَؤُمُّ النَّاسَ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ، فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى بِسُورَةِ مَرْيَمَ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِـ﴿وَيلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾، وَقَالَ: لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ قُلْتُ فِي الطَّرِيقِ:

يَـــا لَيْلَــةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا
عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الكُفْرِ نَجَتْ

قَالَ: وَأبَقَ (أَيْ هَرَبَ) مِنِّي غُلَامٌ فِي الطَّرِيقِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بَايَعتُهُ، فَبَينَا أَنَا عِندَهُ إِذ طَلَعَ الغُلَامُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ الله ﷺ: “يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا غُلامُكَ“، فَقُلْتُ: هُوَ لِوَجْهِ اللهِ، فَأَعْتَقْتُهُ، رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَالبَيْهَقِيُّ. 

بر أبي هريرة رضي الله عنه بأمه وإسلامها

رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلامِ فَتَأْبَى عَلَيَّ، قَالَ: فَدَعَوْتُهَا ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى الإِسْلامِ فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللهِ ﷺ مَا أَكْرَهُ، فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ وَأَنَا أَبْكِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَى الإِسْلامِ فَتَأْبَى عَلَيَّ، وَإِنِّي دَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَى الإِسْلامِ، فَفَعَلَ، فَجِئْتُ فَإِذَا الْبَابُ مُجَافٍ (أَي مَفتُوحٌ قَلِيلًا) وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ، فَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا ثُمَّ قَالَتْ: ادْخُلْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، فَدَخَلْتُ، فَقَالَتْ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، فَجِئْتُ أَسْعَى إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ أَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ كَمَا بَكَيْتُ مِنَ الْحُزْنِ، فَقُلْتُ: أَبْشِرْ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَدْ أَجَابَ اللهُ دَعْوَتَكَ، قَدْ هَدَى اللهُ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَى الإِسْلَامِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وابنُ حِبَّانَ.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهرِيِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَكُنْ يَحُجُّ حَتَّى مَاتَتْ أُمُّهُ لِصُحْبَتِهَا.

حب المؤمنين لأبي هريرة رضي الله عنه

كَانَ أُبُو هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَقُولُ: وَاللهِ لَا يَسْمَعُ بِي مُؤْمِنٌ وَلَا مُؤْمِنَةٌ إِلَّا أَحَبَّنِي، فَسُئِلَ عَن ذَلِكَ، فَقَالَ: قُلتُ يَا رَسُولَ اللهِ، اُدْعُ اللهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي وَأُمِّيَ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَإِلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، فَقَالَ ﷺ: “اللهم حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا وَأُمَّهُ إِلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ“، فَلَيْسَ يَسْمَعُ بِي مُؤْمِنٌ وَلَا مُؤمِنَةٌ إِلَّا أَحَبَّنِي، رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ.

أخبار زهده رضي الله عنه

تَرَكَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الدُّنْيَا وَلَزِمَ المَسْجِدَ مَعَ أَهْلِ الصُّفَةِ الَّذِينَ لَا مَأْوَى لَهُمْ لِتَلَقِّي العِلمَ الشَّرْعِيِّ، فَكَانَ كَثِيرَ الجُوعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ ‌تَمَخَّطَ فِي ثَوْبِهِ ثُمَّ قَالَ: بَخٍ بَخٍ، أَبُو هُرَيْرَةَ يَتَمَخَّطُ فِي الكَتَّانِ، رَأَيْتُنِي أُصْرَعُ بَيْنَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ وَالْمِنْبَرِ، يَقُولُ النَّاسُ: مَجْنُونٌ، وَمَا بِي إِلَّا الْجُوعُ، رَوَاهُ البُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ المُفْرَدِ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ: وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنْ كُنتُ لَأَعْتَمِدُ بِكَبِدِي عَلَى الأَرضِ مِنَ الجُوعِ (أَي يَقَعُ عَلَى الأَرضِ مِنَ الجُوعِ وَيَظُنُّونَهُ مَجنُونًا يَتَلَوَّى مِنَ الجُوعِ)، وَإِنْ كُنتُ لَأَشُدُّ الحَجَرَ عَلى بَطْنِي مِنَ الجُوعِ، رَوَاهُ البُخَارِيُ فِي صَحِيحِهِ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أُصِبْتُ بِثَلَاثِ مُصِيبَاتٍ فِي الإِسْلَامِ لَمْ أُصَبْ بِمَثَلِهِنَّ: مَوْتُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَقَتْلُ عُثْمَانَ، وَالمِزَودُ (وَالمِزوَدُ وِعَاءٌ مِنْ جِلْدٍ يُجْعَلُ فِيهِ الزَّادُ)، قِيلَ: وَمَا المِزوَدُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي غزَاةٍ فَأَصَابَهُمْ عَوَزٌ مِنَ الطَّعَامِ فَقَالَ: “يَا أَبَا هُرَيْرَةَ عِنْدَكَ شَيْءٌ؟” قُلتُ: شَيْءٌ مِنْ تَمرٍ فِي مِزوَدٍ لِي، فَقَالَ ﷺ: “جِئ بِهِ“، قَالَ: فَجِئْتُ بِالمِزودِ، فَقَالَ ﷺ: “هَاتِ نَطْعَا“، فَجِئْتُ بِالْنَّطعِ (وَهُوَ قِطعَةُ جِلدٍ كَالبِسَاطِ) فَبَسَطتُهُ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَقَبَضَ عَلَى التَّمْرِ، فَإِذَا هُوَ إِحْدَى وَعِشْرُونَ تَمْرَةً فَجَعَلَ يَضَعُ كُلَّ تَمْرَةٍ وَيُسَمِّي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى أَتَى عَلَى التَّمْرِ، فَقَالَ بِهِ هَكَذَا فَجَمَعَهُ، فَقَالَ ﷺ: “اُدْعُ عَشَرَةً“، فَدَعَوْتُ عَشَرَةً، فَأُكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، وَكَذَلِكَ حَتَّى أَكَلَ الجَيْشُ كُلُّهُ، وَفَضَلَ تَمَرَاتٌ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، اُدْعُ لِي فِيهِنَّ بِالْبَرَكَةِ، فَقَبَضَهُنَّ ثُمَّ دَعَا فِيهِنَّ بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ ﷺ: “خُذْهُنَّ فَاجْعَلْهُنَّ فِي المِزوَدِ، وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُنَّ شَيْئًا فَأَدْخِل يَدَكَ فِيهِ وَلَا تَكْفَأْ فَيُكْفَأَ عَلَيْكَ” قَالَ: فَمَا كُنْتُ أُرِيدُ تَمْرًا إِلَّا أَدْخَلَتُ يَدِي فَأَخَذتُ مِنْهُ ، وَلَقَدْ حَملَتُ مِنْهُ خَمْسِينَ وَسْقًا فِي سَبِيلِ اللهِ، وَنَأْكُلُ وَنُطْعِمُ مِنْهُ حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ  وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَحَيَاةَ عُثْمَانَ وَكَانَ مُعَلَّقًا خَلْفَ رَحْلِي، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ اِنْتُهِبَ مَا فِي بَيْتِي وَانْتُهِبَ المِزوَدُ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ كَم أَكَلتُ مِنْهُ، أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ وَسْقٍ، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدَ وَابْنُ سَعْدٍ وَالتِّرْمِذِيُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالبَيْهَقِيُّ.

علمه رضي الله عنه

كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ حُفَاظِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَرِيصًا عَلَى تَلَقِّي الْعَلَمَ.

عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ؛ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ ‌حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ“، رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يُكثِرُ الحَديثَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ خَشيَةَ كَتمِ العِلمِ، فَرَوَى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَبِي بَكرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، وَرَوَى عَنهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ، قَالَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ: رَوَى عَنهُ أَكثَرُ مِن ثَمَانِمِائَةٍ مَا بَينَ صَحَابِيٍّ وَتَابِعِيٍّ.

رُوِيَ لَهُ خَمسَةُ آلَافِ حَدِيثٍ وَثَلَاثُمِائَةٍ وَأَربَعَةٌ وَسَبعُونَ حَدِيثًا، اتَّفَقَ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ مِنهَا عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ، وَانفَرَدَ البُخَارِيُّ بِثَلَاثَةٍ وَسَبعِينَ.

قَالَ أَبُو هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: وَايْمُ اللهِ لَوْلَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللهِ مَا حَدَّثْتُكُمْ بِشَيْءٍ أَبَدًا، ثُمَّ تَلَا قَولَ اللهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾، [سورة البقرة: 159] رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ.

سر حفظ أبي هريرة رضي الله عنه للحديث الشريف

قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ﴾، [سورة البقرة: 159]: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَللهِ الْمَوْعِدُ، وَيَقُولُونَ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ لَا يُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ هَذِهِ الأَحَادِيثَ، وَإِنَّ أَصْحَابِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَتْ تَشْغَلُهُمْ صَفَقَاتُهُمْ بِالسُّوقِ، وَإِنَّ أَصْحَابِي مِنَ الأَنْصَارِ كَانَتْ تَشْغَلُهُمْ أَرَضُوهُمْ وَالْقِيَامُ عَلَيْهَا، وَإِنِّي كُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا، وَكُنْتُ أُكْثِرُ مُجَالَسَةَ رَسُولِ اللهِ ﷺ أَحْضُرُ إِذَا غَابُوا وَأَحْفَظُ إِذَا نَسَوْا، وَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَدَّثَنَا يَوْمًا فَقَالَ: “مَنْ يَبْسُطُ ثَوْبَهُ حَتَّى أُفْرِغَ فِيهِ مِنْ حَدِيثِي ثُمَّ يَقْبِضُهُ إِلَيْهِ فَلا يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ مِنِّي أَبَدًا؟” فَبَسَطْتُ ثَوْبِي، أَوْ قَالَ: نَمِرَتِي، فَحَدَّثَنِي ثُمَّ قَبَضَهُ إِلَيَّ، فَوَاللهِ مَا كُنْتُ نَسِيتُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ، رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ.

وفاته رضي الله عنه

بَكَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فِي مَرَضِهِ فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ فَقَالَ: أَمَا إِنِّي لَا أَبْكِي عَلَى دُنْيَاكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنِّي أَبْكِي لِبُعْدِ سَفَرِي وَقِلَّةِ زَادِي، أَصْبَحْتُ فِي صُعُودٍ مُهْبِطَةٍ عَلَى جُنَّةٍ وَنَارٍ فَلَا أَدْرِي إِلَى أَيِّهِمَا يُسلَكُ بِي، رَوَاهُ ابنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ مَرْوَانَ دَخَلَ عَلَيْهِ فِي شَكْوِهِ (أَي مَرَضِهِ) الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ: شَفَاكَ اللهُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اللهم إِنِّي أُحِبُّ لِقَاءَكَ فَأَحِبَّ لِقَائِي (يُعَبِّرُ عَنِ المَوتِ بِلِقَاءِ اللهِ)، رَوَاهُ الحَافِظُ ابنُ عَسَاكِرَ. 

وكان أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُخبِرُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَقَالَ: اللهم اشْفِ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: اللهم لَا تُرْجِعنِي، قَالَ فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: يَا أَبَا سَلَمَةَ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَمُوتَ فَمُت، فَوَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى الْعُلَمَاءِ زَمَنٌ يَكُونُ الْمَوْتُ أَحَبَّ إِلَى أَحَدِهِمْ مِنَ الذَّهَبِ الأَحْمَرِ، أَوْ قَالَ: لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَأتِيَ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَأتِي الرَّجُلُ قَبْرَ الْمُسْلِمِ فَيَقُولُ: وَدِدْتُ أَنِّي صَاحِبُ هَذَا الْقَبْرِ، رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ.

وَلَمَّا مَاتَ كَانَ ابنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا يَمْشِي أَمَامَ جِنَازَتِهِ وَيُكْثِرُ التَّرَحُّمَ عَلَيْهِ وَيَقُولُ: كَانَ مِمَّنْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ ﷺ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، رَوَاهُ ابنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ.

وَاللهُ تَعَالَى أَعلَمُ وَأَحكَمُ، وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

المصادر

هَذِهِ المَسَائِلُ مَجمُوعَةٌ وَمُلَخَّصَةٌ مِنَ:

  1. القُرءَانِ الكَرِيمِ.
  2. السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ.
  3. صَحِيحِ البُخَارِيِّ.
  4. صَحِيحِ مُسلِمٍ.
  5. مُسنَدِ أَحمَدَ.
  6. سُنَنِ ابنِ مَاجَهْ.
  7. سُنَنِ التِّرمِذِيِّ.
  8. الأَدَبِ المُفرَدِ لِلبُخَارِيِّ.
  9. صَحِيحِ ابنِ حِبَّانَ.
  10. طَبَقَاتِ ابنِ سَعدٍ.
  11. أُسدِ الغَابَةِ لِابنِ الأَثِيرِ.
ما حكم الكلام أثناء خطبة الجمعة؟

حكم الكلام أثناء خطبة الجمعة

السؤال مَا حُكمُ الكَلَامِ أَثنَاءَ خُطبَةِ الجُمُعَةِ؟، وَمَا هُوَ تَأثِيرُهُ عَلَى صِحَّةِ الجُمُعَةِ أَو ثَوَابِهَا؟ الجواب وبالله التوفيق…

ربما يعجبك أيضا

Total
0
Share