الصلاة فضلها ومكانتها

الخطبة الاولى

الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطَوْل لا إله إلا هو إليه المصير، دبر فأحكم التدبير وقدر وشاء وهو على كل شيء قدير، من استرحمه فهو له راحم ومن استغاثه فهو له مغيث ومن استجاره فهو له مجير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ضد ولا ند ولا زوجة ولا ولد له شهادة أسأل ربي لي ولكم بها يوم القيامة أن يجيرنا من نار السعير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم الهادي البشير والقمر المنير، اللهم صلّ وسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.

عبادَ اللهِ أوصيكم ونفسيْ بتقوى اللهِ العظيم، اتَّقوا الله فإنّ تقواه أفضلُ مكتَسَبٍ، {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}، وكن على ذكر أخي المسلم لقول الله تعالى:” وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ” (البقرة:284).

أيّها المسلمون، عِبادة ٌ تُشرِقُ بالأمل في لجّة الظلمات وتنقذ المتردِّي في درب الظلمات وتأخذ بيد البائس من قعر بؤسه واليائس من درك يأسه إلى طريق النجاة، عبادة هي من أظهرِ معالمِ دين الإسلام وأعظمِ شعائره وأنفع ذخائره، هي بعد الشهادتين ءاكَدُ مفروضٍ وأعظم مَعْرُوض وأجلُّ طاعةٍ وأرجى بضاعة، فَمَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ، وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ؛ عنيت بذلك الصلاةَ عمودَ الدين كما قال رسول الله صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ: “رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ“(أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وغيرهم وقال: حديث حسن صحيح). 

الصلاةُ التي جعلها الله قرّةً للعيون ومفزعًا للمحزون، فكان رسول الهدى صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ(أي إذا نابَهُ وألَمَّ به أمر شديد صلى) صَلّى(أخرجه أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه)، ويقول عليه الصلاة والسلام: “وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ “(أخرجه أحمد في مسنده والنسائي والبيهقي في السنن وصححه الحاكم في المستدرك وغيرهم). أي غاية لذتي وأنسي وفرحي وسروري في صلاتي لربي. وكان ينادي: “يَا بِلالُ، أَرِحْنَا بِالصَّلاةِ “(أخرجه أحمد في مسنده وغيره). فالصلاةُ لذةُ المتقين، فقد روي عن الصحابي الجليل عبدِ الله بنِ الزبيرِ رضي الله عنهما أنه أيام الحجاجِ قصفوه بالصخورِ والحجارةِ وهو قائمٌ يُصلي وما تركَ الصلاة، لماذا؟ لأن الصلاة لذة المتقين. فهي أحسنُ ما قصده المرءُ في كلّ مهِمّ، وأولى ما قام به عند كلِّ خَطْبٍ مُدْلَهِمٍّ، خضوعٌ وخشوع، وافتقار واضطرار، ودعاءٌ وثناء، وتحميد وتمجيد، وتذلُّل لله العليِّ الحميد.

أيها المسلمون، الصلاةُ هي أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ الْعَبْدُ به يومَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ. المحافظةُ عليها عنوانُ الصِدقِ والإيمانِ، والتهاونُ بها علامةُ الخذلانِ والخُسرانِ. طريقُها معلومٌ وسبيلُها مرسومٌ، مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلا بُرْهَانٌ وَلا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ(كما ورد في الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه) لا لأنهُ كافرٌ بل لِعُظْمِ ذنبِهِ. من حافظ على هذه الصلواتِ الخمس فأَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ، فَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَسُجُودَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يدخله الجنة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلَاتَهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ فَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَسُجُودَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ”(رواه الإمام أحمد في مسنده). عهدٌ من الله تعالى لمن صلاهنّ بتمامهنّ أن يغفر له ويدخلَ الجنة، فكيف يجرؤُ من يجرؤُ على تركِها؟! فإنّ ممّا يندَى له الجبين ويجعل القلبَ مكدَّرا حزينًا ما فشا بين كثيرٍ من المسلمين من سوءِ صنيع وتفريطٍ وتضييع لهذه الصلاةِ العظيمة، فمنهم التاركُ لها بالكلّيّة، ومنهم من يصلّي بعضًا ويترك البقيّة. لقد خفّ في هذا الزمانِ ميزانها عند كثير من الناس وعظُم هُجْرانُها وقلّ أهلُها وكثُر مهمِلُها، يقول الزهريّ رحمه الله تعالى: (دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ خادِمِ رسولِ اللهِ بِدِمَشْقَ وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فذكرَ أنّ سببَ بكائه أنِّ هذه الصلاةَ قدْ ضُيِّعَتْ)(رواه البخاري في صحيحه).

  فعجبا من بعضِ الناسِ اليوم يتركون الصلاةَ لأجل اللعب، ولأجلِ النزهة، ولأجلِ العرس، وغيرِ ذلك من أمورِ الدنيا الفانيةِ الزائلة، ولا يُبالون. وقدوتُنا وحبيبُنا ومعلمُنا وسيدنا رسول الله محمدٌ صلى الله عليه وسلم في مرض وفاته؛ حيث اشتد عليه المرضُ والحمى ولم يتركْ الصلاة، وكان من ءاخرِ ما أوصى به أمتَه الصلاة الصلاة(رواه الإمام أحمد في مسنده).

  أيّها المسلمون: إنَّ من أكبرِ الكبائرِ تركَ الصلاة تعمُّدًا وإخراجَها عن وقتها كسَلًا وتهاوُنًا. يقول النبيُ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ: “بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ“(رواه مسلم في صحيحه) أي تارك الصلاة كسلا قريب من الكفر لعظم ذنبه، وليس بكافر عند جمهور العلماء (نص على ذلك كله الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم).

فيا تاركَ الصلاة تداركْ نفسَكَ قبل الفوات فالعمر محدود والنَّفَسُ معدود والموت، كالسيف المسلَّطِ على رقابنا وهو مسلول لا ندري متى يَنْزل عليها. يا تاركَ الصلاةِ ألا تستحي من الله الذي خلقك فسواك فعَدَلَك، ألا تسجدُ للذي جعل لك عينين ولسانًا وشفتين، ألا تخشى القويَّ المتينَ العزيزَ الجبارَ القائل: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ}.نسأل الله تعالى أن يرزقنا المحافظة على الصلاة في وقتها، إنه على كل شىءٍ قدير وبعبادِه لطيفٌ خبير، أقول قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ لهُ النعمةُ وله والفضلُ وله الثناءُ الحَسَنُ والصلاةُ والسلامُ على سيدنَا محمدٍ سيدِ البشرِ، عبادَ اللهِ اتقوا اللهَ وأطيعوهُ. أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ: روى الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا رَقَدَ(

الحمدُ للهِ لهُ النعمةُ وله والفضلُ وله الثناءُ الحَسَنُ والصلاةُ والسلامُ على سيدنَا محمدٍ سيدِ البشرِ، عبادَ اللهِ اتقوا اللهَ وأطيعوهُ. أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ: روى الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا رَقَدَ(نام) أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ أَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرَي”. قال الحافظ النووي في شرحه على الحديث: (فيه وجوب قضاء الفريضة الفائتة سواء تركها بعذر كنوم ونسيان أم بغير عذر)(شرح النووي على مسلم). فيا تاركَ الصلاة تدارك نفسك واقض ما فاتك قبل أن تنتهي أنفاسك. نسأل الله تعالى أن يرزقنا توبة نصوحة إنه على كل شيء قدير وبعباده لطيف خبير.عِبَادَ اللهِ إِنَّ اللهَ قَدْ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيْمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ الكَرِيمِ فَقَالَ: {إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلونَ على النبيِّ يا أيُّهَا الذينَ ءامَنُوا صَلُّوا عَليهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} لبيكَ اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما صليتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ وبارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما باركتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ في العالمينَ إنكَ حميدٌ مجيدٌ. اللهمّ اغفر للمسلمينَ والمسلماتِ والمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهم والأموات، اللهم ارفعِ البلاءَ والأمراضَ عنِ المسلمينَ، وَفَرِّجْ عَنَّا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ، اللهم فَرِّجِ الكَرْبَ عَنِ الأَقْصَى يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِيْنَ اللهمّ أنتَ اللهُ لا إلهَ إلا أنتَ، أنتَ الغنيُّ ونَحنُ الفقراءُ، اللهم فرج كروبنا واستر عيوبنا وأذهب همومنا يا رب العالمين. اللهمّ أغِث قلوبَنا بالإيمانِ واليقين، وبلادَنا بالخيراتِ والأمطارِ والغيثِ العميمِ يا ربَّ العالمين، اللهم اجعلْ هذا البلدَ آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً وسائرَ بلادِ المسلمينَ، عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذي القربى وينهى عنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبغي يعظكُمْ لعلكم تذكرونَ وأقمِ الصلاةَ.

إن الملائكة لتضع اجنحتها لطالب العلم

قال رسول الله ﷺ إِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ  مَعنَاهُ يَخْفِضُونَ أَجْنِحَتَهُمْ تَوَاضُعًا لَهُ؛…

ربما يعجبك أيضا

Total
0
Share