هي سورة مَكِّيَّةٌ فِى قَوْلِ أَكْثَرِ العُلَمَاءِ وَمَدَنِيَّةٌ فِى قَوْلِ الضَّحَّاكِ وَغَيْرِهِ وَهَىَ خَمْسُ ءَايَاتٍ.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ
التفسير
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ
- قَالَ الْبُخَارِىُّ: ﴿أَنْزَلْنَاهُ﴾ الْهَاءُ كِنَايَةٌ عَنِ الْقُرْءَانِ.
- ﴿إِنَّاأَنْزَلْنَاهُ﴾ صِيغَةُ الجَمعِ للتَّعظِيمِ، وَمُنْزِلُ القُرءَانِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْعَرَبُ تُؤَكِّدُ فِعْلَ الْوَاحِدِ فَتَجْعَلُهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ لِيَكُونَ أَثْبَتَ وَأَوْكَدَ.
قَالَ الْحَافِظُ ابن حجر العسقلاني في فَتْحِ الباري: (وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ هَذَا جَمْعُ التَّعْظِيمِ) اهـ.
رَوَى الْحَاكِمُ فِى مُسْتَدْرَكِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أنه قَالَ
أُنْزِلَ الْقُرْءَانُ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ ثُمَّ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِى عِشْرِينَ سَنَةً، قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ
وَكَانَ نُزُولُهُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى مَكَانٍ فِي السَّمَاءِ الدُّنيَا يُسَمَّى بَيتَ العِزَّةِ دَفعَةً وَاحِدَةً فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِى الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ نُجُومًا نُجُومًا أَىْ مُتَفَرِّقًا وَسُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لِعِظَمِهَا وَشَرَفِهَا وَقَدْرِهَا العظيم.
وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ
- ﴿وَمَا أَدْرَاكَ﴾ أَيْ وَمَا أَعْلَمَكَ يَا مُحَمَّدُ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَهَذَا سؤال عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ وَالتَّشَوُّقِ إِلَى خَيْرِهَا وَهَذَا لِتَعْظِيمِ شَأْنِهَا.
لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ
- الظَّاهِرُ أَنَّ أَلْفَ شَهْرٍ يُرَادُ بِهِ حَقِيقَةُ الْعَدَدِ وَهِىَ ثَلاثٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً وَثُلُثُ سَنَةٍ مِنَ السِّنِينَ الَّتِى لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ، فَالْعَمَلُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَفْضَلُ مِنَ الْعَمَلِ فِى هَذِهِ الشُّهُورِ الألف.
تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ
- أَيْ تَهْبِطُ الْمَلائِكَةُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ إِلَى الأَرْضِ وَالْمُرَادُ بالرُّوحِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَهُوَ أَشْرَفُ الْمَلائِكَةِ.
- وَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿فِيهَا﴾ أَىْ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ.
- وَقَوْلُهُ ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِمْ﴾ أَىْ بِأَمْرِهِ فهو أمرهم بالنزول.
- وَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿مِنْ كُلِّ أَمْرٍ﴾ أَي يَنْزِلون بِكُلِّ أمرٍ قَضَاهُ الله في تلك السنة إلى قابل، فالله تعالى يُطلِعُ ملائكته على ما يحصل من الأمور في السنة المقبلة فينزلون به تلك الليلة.
سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ
- أَىْ إِنَّ لَيْلَةِ الْقَدْرِ سَلامَةٌ وَخَيْرٌ كُلُّهَا عَلَى أَولِيَاءِ اللهِ وَأَهلِ طَاعَتِهِ لَا شَرَّ فِيهَا بَلْ فِيهَا خَيْرٌ وَبَرَكَةٌ وَقِيلَ إِنَّهُ لا يَحْدُثُ فِيهَا دَاءٌ وَلا يُرْسَلُ فِيهَا شَيْطَانٌ فَلَا يَستَطِيعُ أَن يُؤذِيَ أَحَدًا أَو أَن يَعمَلَ سُوءًا.
- ﴿حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ أَىْ إِلَى وَقْتِ طُلُوعِ الْفَجْرِ.
فائدة
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِى تَعْيِينِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَعلامَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ صَبِيحَتَهَا بَيْضَاءَ لا شُعَاعَ لَهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِىِّ وَالأَوْزَاعِىِّ وَأَبِى ثَوْرٍ وَأَحْمَدَ لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: “الْتَمِسُوهَا فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانِ“، الْحَدِيثَ.
وَقَالَ عَلِىٌّ وَعَائِشَةُ وَأُبَىُّ بنُ كَعْبٍ هِىَ لَيْلَةُ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ.
وَقَالَ بَعْضٌ أَخْفَاهَا الله فِى جَمِيعِ شَهْرِ رَمَضَانَ لِيَجْتَهِدَ الْمَرْءُ فِى الْعَمَلِ وَالطَّاعَاتِ في كل لَيَالِي رَمَضَانَ الْمُكَرَّم.