بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، أَمَّا بَعدُ:
المقدمة
إِنَّ لِلنَّوَافِلِ سِرًّا عَظِيمًا فِي صَلَاحِ القَلبِ وَصَلَاحِ الحَالِ، فَمُوَافَقَةُ النَّبِيِّ ﷺ لَهَا مَنزِلَةٌ عِندَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهِيَ دَلِيلٌ عَلَى شِدَّةِ مَحَبَّتِهِ ﷺ.
قَالَ الإِمَامُ أَحمَدُ الرِّفَاعِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: رُوِيَ عَن بَعضِهِم أَنَّهُ مَا أَكَلَ البِطِّيخَ، فَسُئِلَ عَن ذَلِكَ فَقَالَ: لَم يَبلُغنِي كَيفَ أَكَلَهُ النَّبِيُّ ﷺ، فَلَا آكُلُهُ حَتَّى أَعرِفَ كَيفَ أَكَلَهُ النَّبِيُّ ﷺ فَآكُلَهُ مِثلَهُ، وَهَذَا مِن شِدَّةِ تَتَبُّعِهِ لِأَقوَالِ وَأَفعَالِ وَأَحوَالِ رَسُولِ اللهِ ﷺ لَا يَفعَلُ شَيئًا إِلَّا وَيَتَحَرَّى أَن يُوَافِقَ السُّنَّةَ فِيهِ، فَإِن لَم يَرِد أَنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ لَا يَفعَلُهُ، وَهَذَا فَضلٌ عَظِيمٌ وَمَنزِلَةٌ عَالِيَةٌ، وَلَيْسَ فِعْلُهُ هَذَا مِنْ بَابِ الْوُجُوْبِ بَلْ كَمَا قُلْنَا مِنْ شِدَّةِ تَعَلُّقِ قَلْبِهِ بِرَسُوْلِ اللهِ ﷺ.
وَرُوِيَ عَن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ شَدِيدَ المُتَابَعَةِ لِفِعلِ وَقَولِ النَّبِيِّ ﷺ، فَمَرَّةً كَانَ يَمشِي فِي قَافِلَةٍ بَينَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةَ، فَوَقَفَ فَجأَةً دُونَ أَيِّ حَاجَةٍ ظَاهِرَةٍ وَأَجلَسَ بَعِيرَهُ، ثُمَّ قَامَ فَأَكمَلَ سَيرَهُ فِي القَافِلَةِ، فَسَأَلُوهُ عَن ذَلِكَ فَقَالَ: لَا شَيءَ، إِلَّا أَنَّنِي رَأَيتُ النَّبِيَّ ﷺ فَعَلَ ذَلِكَ فِي هَذَا المَكَانِ فَفَعَلتُ مِثلَهُ.اهـ
فَالمُوَافَقَةُ لِلنَّبِيِّ ﷺ دَلِيلٌ عَلَى شِدَّةِ مَحَبَّتِهِ وَالتَّمَسُّكِ بِنَهجِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، قَالَ تَعَالَىْ: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
معنى قوله ﷺ: “من رغب عن سنتي فليس مني”
لِيُعلَمْ أَنَّ مَن تَرَكَ النَّوَافِلَ كَسُنَّةِ الظُّهرِ وَسُنَّةِ العَصرِ وَغَيرِهِمَا فَلَا إِثمَ عَلَيهِ، وَأَمَّا الحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيُّ: “مَن رَغِبَ عَن سُنَّتِي فَلَيسَ مِنِّي“، فَمَعنَاهُ مَن تَرَكَ شَرِيعَتِي وَهُوَ كَارِهٌ طَرِيقَتِي الَّتِي جِئتُ بِهَا فَهُوَ كَافِرٌ.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا مُؤَاخَذَةَ عَلَى الشَّخصِ بِتَركِ النَّوَافِلِ الحَدِيثُ المَرفُوعُ حَدِيثُ طَلحَةَ بنِ عُبَيدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا ثَائِرَ الرَّأسِ (هُوَ ضِمَامُ بنُ ثَعلَبَةَ) جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخبِرنِي بِمَا افتَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ، فَعَلَّمَهُ النَّبِيُّ ﷺ الفَرَائِضَ وَشَرَائِعَ الإِسلامِ، فَوَلَّى الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَالَّذِي أَكرَمَكَ بِالنُّبُوَّةِ لَا أَتَطَوَّعُ شَيئًا وَلَا أَنقُصُ مِمَّا افتَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيئًا، فَقَالَ ﷺ “أَفلَحَ الرَّجُلُ إِن صَدَقَ“، رَوَاهُ البُخَارِيُّ، فَقَولُهُ ﷺ: “أَفلَحَ الرَّجُلُ إِن صَدَقَ“، أَي فِيمَا حَلَفَ عَلَيهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لا يَفعَلُ شَيئًا مِنَ النَّوَافِلِ وَلا يَترُكُ شَيئًا مِمَّا افتَرَضَ اللَّهُ عَلَيهِ، مِن أَدَاءِ الوَاجِبِ وَاجتِنَابِ المُحَرَّمِ، لِأَنَّهُ كَانَ عَلَّمَهُ مَا هُوَ فَرضٌ وَمَا هُوَ حَرَامٌ.
وَإِذَا عُلِمَ هَذَا ظَهَرَ بُطلانُ مَا شَاعَ عِندَ بَعضِ العَوَامِّ مِن قَولِ بَعضِهِم: إِنَّ الرَّسُولَ قَالَ: مَن لَم يُصلِّ سُنَّتِي فَلَيسَ مِن أُمَّتِي، وَقَولِ بَعضِهِم: إِنَّهُ قَالَ: مَن لَم يُصَلِّ سُنَّتِي يَأتِي يَومَ القِيَامَةِ وَلَيسَ عَلَى وَجهِهِ قِطعَةُ لَحمٍ، وَقَولِ بَعضِهِم، إِنَّهُ قَالَ: مَن لَم يُصَلِّ سُنَّتِي لَم تَنَلهُ شَفَاعَتِي، يُرِيدُونَ بِهِ النَّوَافِلَ، فَكُلُّ ذَلِكَ كَذِبٌ عَلَى الرَّسُولِ ﷺ وَضَلالٌ، وَلا يَنفَعُهُم قَصدُهُم بِذَلِكَ حَثَّ النَّاسِ عَلَى النَّوَافِلِ، وَقَد قَالَ ﷺ: “إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَليَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ مِنَ النَّارِ“، رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وَأَمَّا قَولُهُ ﷺ فِيمَا رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ وَالبَيهَقِيُّ: “سِتَّةٌ لَعَنتُهُم وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ، وَكُلُّ نَبِيٍّ مُجَابٍ“، ثُمَّ ذَكَرَ مِنهُم: “وَالتَّارِكُ لِسُنَّتِي“، فَمَعنَاهُ مَن خَالَفَ الصَّحَابَةَ وَخَرَجَ عَنهُم فِي المُعتَقَدِ، وَلَيسَ مَعنَاهُ كُلَّ مَن لَم يَفعَل مَا كَانَ الرَّسُولُ يَفعَلُهُ مِنَ الفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ يَكُونُ مَلعُونًا، بَل مَن خَرَجَ فِى الِاعتِقَادِ عَن مُعتَقَدِ أَصحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّتِي هِىَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَي طَرِيقَتُهُ، فَهَذَا عَرَّضَ نَفسَهُ لِتِلكَ اللَّعنَةِ الكَبِيرَةِ.
سنن مهمة ينبغي للمسلم أن يعملها في يومه
يُسَنُّ للمُسلِمِ إِذَا استَيقَظَ مِن نَومِهِ أَن يَقُولَ: (الحَمدُ للهِ الَّذِى أَحيَانَا بَعدَمَا أَمَاتَنَا وَإِلَيهِ النُّشُور)، مَعنَاهُ نَحمَدُ اللهَ أَن جَعَلَنَا نَستَيقِظُ مِن نَومِنَا وَنَعِيشُ وَلَم يُمِتنَا وَنَحنُ نَائِمُونَ وَهُوَ الَّذِى يُحيِينَا بَعدَ مَوتِنَا للبَعثِ.
وَيُسَنُّ أَن يَستَعمِلَ السِّوَاكَ عِندَ القِيَامِ مِنَ النَّومِ.
وَإِذَا أَرَادَ الدُّخُولَ إِلَى بَيتِ الخَلاءِ لِقَضَاءِ الحَاجَةِ يَقُولُ: (بِسمِ اللهِ اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ)، وَيَدخُلُ بِرِجلِهِ اليُسرَى وَيَقضِى حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَخرُجُ بِرِجلِهِ اليُمنَى وَيَقُولُ: (غُفرَانَكَ الحَمدُ للهِ الَّذِى أَذهَبَ عَنِّىَ الأَذَى وَعَافَانِي).
وَيَتَّجِهُ إِلَى القِبلَةِ بَعدَ أَن يَتَوَضَّأَ وَيَرفَعُ بَصَرَهُ وَيَقُولُ: (أَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ) ثُمَّ يَخفِضُ بَصَرَهُ وَيَقُولُ: (اللهُمَّ اجعَلنِي مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجعَلنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ سُبحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمدِكَ أَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ أَستَغفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيكَ).
ثُمَّ يُصَلِّى سُنَّةَ الصُّبحِ ثُمَّ يُصَلِّى الصُّبحَ جَمَاعَةً فِي المَسجِدِ فَإِن لَم يَستَطِع فَمَعَ أَهلِهِ وَيَنبَغِي أَن يَخشَعَ فِي صَلاتِهِ لِيَنَالَ الثَّوَابَ مِنَ اللهِ.
وَيَنبَغِي أَن يُصَلِّىَ بِثَوبَينِ قَمِيصٍ وَرِدَاءٍ وَأَن يَضَعَ عَلَى رَأسِهِ قَلَنسُوَةً وَيُسَنُّ لَهُ أَن يَستَاكَ وَأَن يَتَّخِذَ سُترَةً وَأَن يُفَرِّجَ بَينَ قَدَمَيهِ شِبرًا، وَيُسَنُّ أَن يَقُولَ قَبلَ أَن يَدخُلَ فِي الصَّلاةِ: (اللهُمَّ ءَاتِنَا أَفضَلَ مَا تُؤتِى عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ).
فَإِذَا ذَكَرَ اللهَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى أَصبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفسِ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “يَعقِدُ الشَّيطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأسِ أَحَدِكُم إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاثَ عُقَدٍ يَضرِبُ كُلَّ عُقدَةٍ عَلَيكَ لَيلٌ طَوِيلٌ فَارقُد، فَإِنِ استَيقَظَ فَذَكَرَ اللهَ انحَلَّت عُقدَةٌ فَإِن تَوَضَّأَ انحَلَّت عُقدَةٌ فَإِن صَلَّى انحَلَّت عُقدَةٌ فَأَصبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفسِ وَإِلَّا أَصبَحَ خَبِيثَ النَّفسِ كَسلَانَ“، رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وَيَنبَغِي أَن يَقرَأَ ءَايَةَ الكُرسِيِّ بَعدَ كُلِّ صَلاةٍ فَقَد وَرَدَ فِي الحَدِيثِ: “مَن قَرَأَ ءَايَةَ الكُرسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ مَكتُوبَةٍ لَم يَمنَعهُ مِن دُخُولِ الجَنَّةِ إِلَّا المَوتُ“، مَعنَاهُ يَصعَدُ رُوحُهُ إِلَى الجَنَّةِ بَعدَ مَوتِهِ فَورًا ثُمَّ يَعُودُ إِلَى الجَسَدِ.
وَيَنبَغِي أَن يَقرَأَ المُعَوِّذَتَينِ بَعدَ كُلِّ صَلاةٍ مَكتُوبَةٍ فَإِنَّ قِرَاءَةَ المُعَوِّذَتَينِ عَقِبَ كُلِّ صَلاةٍ فَهُوَ شَيءٌ عَظِيمٌ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “مَا تَعَوَّذَ المُتَعَوِّذُونَ بِمِثلِهِمَا“، فَلا يُوجَدُ مِثلُ المُعَوِّذَتَينِ فِي القُرءَانِ فِي التَّعوِيذِ.
ثُمَّ يَبدَأُ بِقِرَاءَةِ أَورَادِ التَّحصِينِ، وَمِنهَا أَن يَقُولَ: (بِسمِ اللهِ الَّذِى لا يَضُرُّ مَعَ اسمِهِ شَيءٌ فِي الأَرضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيم) ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَيَقُول: (حَسبِيَ اللهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وَهُوَ رَبُّ العَرشِ العَظِيم) سَبعَ مَرَّاتٍ، وَيَقُول: (أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ مِن شَرِّ مَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعرُجُ فِيهَا وَمِن شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الأَرضِ وَمَا يَخرُجُ مِنهَا وَمِن شَرِّ فِتَنِ الليلِ وَالنَّهَار وَمِن شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلَّا طَارِقًا يَطرُقُ بِخَيـرٍ يَا رَّحمٰن) مَرَّة.
وَيُستَحَبُّ لَهُ إِذَا رَأَى وَجهَهُ فِي المِرآةِ أَن يَقُولَ: (الحَمدُ للهِ اللهُمَّ كَمَا حَسَّنتَ خَلقِي فَحَسِّن خُلُقِي).
وَيُسَنُّ أَن يَقُولَ إِذَا لَبِسَ ثَوبًا: (الحَمدُ للهِ الَّذِى كَسَانِي هَذَا الثَّوبَ وَرَزَقَنِيهِ مِن غَيرِ حَولٍ مِنِّى وَلا قُوَّة).
وَيُسَنُّ أَن يَقُولَ إِذَا أَرَادَ أَن يَأكُلَ أَو يَشرَبَ: (بِسمِ اللهَِ) فَإِذَا نَسِيَ يَقُولُ إِذَا تَذَكَّرَ: (بِسمِ اللهِ أَوَّلَهُ وَءَاخِرَه).
وَيُستَحَبُّ أَن يَأكُلَ بِنِيَّةِ التَّقَوِّى عَلَى طَاعَةِ الله، وَأَن يَقُولَ بَعدَ الِانتِهَاءِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ: (الحَمدُ للهِ الَّذِى أَطعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسلِمِينَ).
وَإِذَا أَرَادَ الخُرُوجَ مِنَ البَيتِ لِقَضَاءِ حَاجَاتِهِ أَو لِعَمَلِهِ يَخرُجُ مِن بَيتِهِ وَيَقُولُ: (بِسمِ اللهِ تَوَكَّلتُ عَلَى اللهِ لا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ) وَيَقرَأُ ءَايَةَ الكُرسِيِّ، فَقَد وَرَدَ في الحَدِيثِ أَنَّ مَن قَالَ ذَلِكَ يُقَالَ لَهُ: (كُفِيتَ وَوُقِيتَ وَهُدِيتَ) وَتَنَحَّى عَنهُ الشَّيطَانُ أَي مَالَ عَنهُ مَعنَاهُ إِن قَالَ ذَلِكَ اللهُ يَحفَظُهُ مِنَ الشَّيَاطِينِ الَّذِينَ يَسرَحُونَ فِي الطُّرُقَاتِ فَلا يَستَطِيعُونَ التَّعَرُّضَ لَهُ.
وَإِذَا أَرَادَ استِيدَاعَ بَيتِهِ وَأَهلِهِ عِندَ الخُرُوجِ يَقُولُ: (اللهُمَّ إِنِّي أَستَودِعُكَ بَيتِيَ هَذَا وَمَن فِيهِ وَمَا فِيهِ) وَلَيسَ شَرطًا أَن يُشِيرَ إِلَيهِ، فَقَد رَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَالبَيهَقِيُّ عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّهُ قَالَ سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: “إِنَّ اللهَ إِذَا استُودِعَ شَيئًا حَفِظَهُ“.
وَيُستَحَبُّ أَن يَقُولَ إِذَا رَأَى فِي طَرِيقِهِ مُبتَلًى فِي دِينِهِ أَو دُنيَاهُ: (الحَمدُ للهِ الَّذِى عَافَانِي مِمَّا ابتَلاكَ بِهِ وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّن خَلَقَ تَفضِيلا) وَيَقُولُ ذَلِكَ بِحَيثُ لَا يَسمَعُهُ مَن ابتُلِيَ فِي دُنيَاهُ.
وَيُسَنُّ أَن يَقُولَ إِذَا رَأَى مَا يَسُرُّهُ: (الحَمدُ للهِ الَّذِى بِنِعمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَات) وَأَن يَقُولَ إِذَا رَأَى مَا يَسُوؤُهُ: (الحَمدُ للهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ).
وَإِذَا التَقَى بِأَخِيهِ المُسلِمِ يُسَلِّمُ عَلَيهِ وَيَبتَسِمُ فِي وَجهِهِ وَيُصَافِحُهُ وَيُصَلِّى عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَيَقُولُ: (اللهُمَّ اغفِر لِي وَلِأَخِي هَذَا) فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَفَعَلَ أَخُوهُ مِثلَهُ يُغفَرُ لَهُمَا مَا تَقَدَّمَ مِن ذُنُوبِهِمَا مِنَ الصَّغَائِرِ وَقَد يَغفِرُ اللهُ لَهُمَا الكَبَائِرَ، فَعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: “مَا مِن مُسلِمَينِ يَلتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ وَيُصَلِّيَانِ عَلَى النَّبِيِّ إِلَّا لَم يَتَفَرَّقَا حَتَّى يُغفَرَ لَهُمَا ذُنُوبُهُمَا مَا تَقَدَّمَ مِنهَا وَمَا تَأَخَّرَ“، رَوَاهُ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ العَسقَلانِيُّ.
وَيَنبَغِي للمُسلِمِ أَن يُكثِرَ مِنَ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي يَومِهِ وَخَاصَّةً فِي عَصرِ يَومِ الجُمُعَةِ وَأَن يَذكُرَ اللهَ كَثِيرًا وَأَن يُصَلِّىَ نَوَافِلَ الصَّلَوَاتِ وَأَن يَشتَغِلَ بِعِلمِ الدِّينِ تَعَلُّمًا وَتَعلِيمًا بَعدَ الِانتِهَاءِ مِنَ العَمَلِ وَأَن يَصُومَ يَومَيِ الِاثنَينِ وَالخَمِيسِ مِن كُلِّ أُسبُوعٍ.
الخاتمة
الِاشتِغَالُ بِالنَّوَافِلِ مِن أَهَمِّ الأُمُورِ، لَكِن يَنبَغِي الحَذَرُ وَالتَّحذِيرُ مِمَّا يَفعَلُهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ اليَومَ، وَهُوَ أَنَّهُم يَشتَغِلُونَ بِالنَّوَافِلِ مَعَ تَقصِيرِهِم بِالفَرَائِضِ، وَقَد يَظُنُّ بَعضُهُم أَنَّ النَّوَافِلَ تَجبُرُ الفَرَائِضَ، وَهَذَا لَيسَ صَحِيحًا، بَل هَذَا فِيهِ هَلَاكُ مَن يَفعَلُ ذَلِكَ، فَقَد وَرَدَ عَن بَعضِ العُلَمَاءِ أَنَّهُ قَالَ: هَلَاكُ الخَلقِ (أَيِ السَّبَبُ فِي هَلَاكِهِم وَدُخُولِهِمُ النَّارَ) فِي حَرفَينِ (أَي فِي عِبَارَةٍ وَجُملَةٍ) اشتِغَالٌ بِنَافِلَةٍ، وَإِهمَالُ فَرِيضَةٍ.اهـ
فَالِاشتِغَالُ بِالنَّوَافِلِ مَعَ تَركِ الفَرَائِضِ كَأَن يَشتَغِلَ بِقِيَامِ اللَّيلِ النَّافِلِ مَعَ تَركِهِ لِلصَّلَوَاتِ المَفرُوضَةِ هَذَا سَبَبٌ فِي هَلَاكِ فَاعِلِهِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ، لِأَنَّ مَن يَفعَلُ ذَلِكَ وَقَعَ فِي الإِثمِ لِتَركِهِ الفَرِيضَةَ وَلَا يَسقُطُ عَنهُ الفَرضُ بِفِعلِهِ النَّفلَ بَل يَبقَى عَلَيهِ، وَقَد قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ فِي الفَتحِ: قَالَ بَعضُ الأَكَابِرِ: مَن شَغَلَهُ الفَرضُ عَنِ النَّفلِ فَهُوَ مَعذُورٌ، وَمَن شَغَلَهُ النَّفلُ عَنِ الفَرضِ فَهُوَ مَغرُورٌ (أَي مَخدُوعٌ).اهـ
وَقَد قَالَ أَبُو بَكرٍ لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ وَقتَمَا أَوصَاهُ بِوَصِيَّتِهِ قَبلَ مَوتِهِ بَعدَ أَنِ استَخلَفَهُ بِالخِلَافَةِ: وَاعلَم أَنَّهُ لَا يُقبَلُ نَافِلَةٌ حَتَّى تُؤَدَّى الفَرِيضَةُ، رَوَاهُ ابنُ أَبِي شَيبَةَ.
وَهَذَا هُوَ المُوَافِقُ لِلحَدِيثِ القُدُسِيِّ الصَّحِيحِ: “وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افتَرَضتُ عَلَيهِ“، رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وَاللهُ تَعَالَى أَعلَمُ وَأَحكَمُ، وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
المصادر
هَذِهِ المَسَائِلُ مَجمُوعَةٌ وَمُلَخَّصَةٌ مِنَ:
- القُرآنِ الكَرِيمِ.
- السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ.
- صَحِيحِ البُخَارِيِّ.
- صَحِيحِ مُسلِمٍ.
- سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ.
- سُنَنِ ابنِ مَاجَه.
- صَحِيحِ ابنِ حِبَّانَ.
- فَتحِ البَارِي لِابنِ حَجَرٍ العَسقَلَانِيِّ.
- الأَذكَارِ لِلنَّوَوِيِّ.