ابن أبي زيد القيرواني

ابن أبي زيد القيرواني

قال عبد الوهاب بن نصر المالكي:

رسالةُ عِلمٍ صاغها العَلَم النَّهدُ *** قَد اجتَمَعَت فِيهَا الفَرائِضُ والزُّهدُ

أُصـولٌ أَضَـاءَتْ بِالهُدى فَكأنَّما *** بدى لعيونِ الناظريـن بها الرُّشْـدُ

وفي صدرها علـمُ الديـانةِ واضـحًـا *** وآداب خيرِ الخلقِ ليس لهـا بُدُّ

قد أَمَّ بانيها السداد فذِكْره *** بهـا خالدٌ ما حـج واعتمر الوَفْدُ

إنها الرسالة التي انتشرت في سائر بلاد المسلمين حتى بلغت العراق واليمن والحجاز والشام ومصر وبلاد النوبة وصقلية وجميع بلاد إفريقية والأندلس والمغرب وبلاد السودان وتنافس الناس في اقتنائها حتى كتبت بالذهب.

إنها رسالةُ ابنِ أبي زيدٍ القَيرَوَانِي الذي سمي بمالِكٍ الصغيرِ عقيدَةً وفِقهًا.

نسبه وفضله

هو أبو محمد عبد الله بن أبي زيد رحمه الله وغفر الله له، واسم أبي زيد عبد الرحمن، والقَيرَوَانِي نسبةٌ إلى القَيرَوَانِ في بلادِ المَغرِبِ العَرَبِي.

كان أبو محمد إمام المالكية في وقته وقدوتهم، وجامع مذهب مالك وشارح أقواله، وكان واسع العلم كثير الرواية، فصيح القلم ذا بيان ومعرفة بما يقوله، ذَابًّا ومُدَافِعا عن مذهب الإمام مالك، قائمًا بالحجة عليه، بصيرًا بالرد على أهل الأهواء، يقول الشعر ويجيده.

علمه

رحل فحجَّ وسمع من كثير من العلماء… له كتاب النوادر، والزيادات على المدونة وهو كتاب مشهور فيه ما يزيد على مائة جزء، وكتاب مختصر المدونة، مشهور، على كتابيه هذين الاعتماد في بلاد المغرب في التفقه، وكتاب الاقتداء بأهل السنة وكتاب الذب عن مذهب مالك، وكتاب الرسالة وهو كتاب مشهور، وكتاب التنبيه على القول في أولاد المرتدين ومسألة الحبس على ولد الأعيان، وكتاب تفسير أوقات الصلوات، وكتاب الثقة بالله والتوكل على الله سبحانه، وكتاب المعرفة واليقين، وكتاب المضمون من الرزق، وكتاب المناسك، وكتاب رد المسائل، وكتاب حماية عرض المؤمن، وكتاب البيان عن إعجاز القرءان، وكتاب الوساوس، ورسالة إعطاء القرابة من الزكاة، ورسالة النهي عن الجدال، ورسالة في الرد على القدرية، ومناقضة رسالة البغدادي المعتزلي، وكتاب الاستظهار، وكتاب كشف التلبيس، ورسالة الموعظة والنصيحة، ورسالة طلب العلم، وكتاب فضل قيام رمضان، ورسالة الموعظة الحسنة لأهل الصدق، ورسالة إلى أهل سِجِلمَاسَةَ في تلاوة القرءان، ورسالة في أصول التوحيد، وجملة تواليفه كلها مفيدة بديعة، غزيرة العلم.

أشعرية ابن أبي زيد

كان الإمام ابن أبي زيد القيرواني أشعريًا محبًا للإمام أبي الحسن الأشعري كما هو مذكور في طبقات الشافعية الكبرى. ويُورِدُ ابنُ عَسَاكِر نَصًا فيه، قال: (وقرأت بخط علي بنِ بَقَاء المصري الوَرَّاقُ المُحدث في رسالةٍ كتب بها أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني المالكي جوابًا لِعَلِي بنِ أحمد بن إسماعيل البغدادي المُعتَزِلِي حينَ ذكرَ أبا الحسن الأشعري رحمه الله ونسبه إلى ما هو بَرِيءٌ منهُ مِمَا جرت عادة المعتزلة باستعمالِ مثلِهِ فِي حَقِّهِ، فقال ابن أبي زيد في حق أبي الحسن: هو رَجَل مشهورٌ، إنه يَرُدُّ على أهلِ البِدَع وعلى القدرية والجهمية مُتَمَسِّكٌ بالسُّنَنِ). وهذا يعني أن ابن أبي زيد يعلم أن أبا الحسن الأشعري لم يأت بِجَدِيد فِي العقيدة، إلا أنَّه رَتَّبَ ونَظَّم وقَعَّد أُصُولَ معتقدِ أهل السنة والجماعة، يعني جعل له قواعد يُرجَعُ إليها.

وفي كتاب “ابن أبي زيد القيرواني وعقيدته في الرسالة والجامع” لابن طاهر: (وتقدِيرِي أن ابنَ أبي زيدٍ القَيرَوَانيَ يمثل الدِّعَامَةَ الأولى التِي سَاهمَت في تأسِيسِ الاتِّجاهِ الأشعَرِي في الغَربِ الإسلَامِي، وكان له الفضلُ في أن يُحققَ التواصلَ بين سلف الأمة وخَلَفِها في فهم العقيدة تحتَ مسمى عقيدةِ أهل السنة والجماعة).

الدليل على أشعرية ابن أبي زيد

وقد رأينَا أنه مِن المفيدِ الاستدلالُ لتأكيدِ أشعرِيةِ ابنِ أبي زيدٍ القَيرَوَانِي ببعضِ أقوالِ الإمامِ أبي الوَلِيد البَاجِيِّ، صار يمدح الإمام البَاقِلَّانِي وعُلَمَاء مذهبِ الأشعريِّ مما فيهِ تأكِيدٌ على أَشعَرِيةِ ابن أَبِي زيدٍ القَيرَوَانِي، فَقَال: (وكان الشيخ أبو محمد بن أبي زيد والشيخ أبو الحسن عليه بن محمد القابسي يتبعان مذهبه، وقرأ القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن نصر وهو ممن أخذ عنه واتبعه، وعلى ذلك أدرَكتُ علماءَ شُيُوخِنَا بالمَشرِقِ وأهلُ هذِهِ المقالَةِ هم الذِين يُشَارُ إليهِم بأنَّهم أهلُ السنةِ).

رسالة ابن أبي زيد ومَكانَتُها

أما رسالة أبن أبي زيد القَيرَوَانِي التي أشرنا إليها فِي البِدايةِ فالنَّاظر إِلَيها يَعلَم أَنَّهَا عَلى القواعد التي قَرَّرَهَا أبُو الحَسَن الأَشعرِي، وقد اجتهد الشارحون المَغَارِبَة لِأَن يَجعَلُوا مِن الرسالة أصلًا يَستَنِدُ إِلَيهِ مُصَنِّفُو العَقَائِدِ في تَحرِيرِ عَقَائِدِهِم، فيَكُونُونَ بذلِكَ قَد جعلُوا مِن صَاحِبِها سَلَفًا لهم فِي البُنيَة الظاهِرِة والباطنة لهذِهِ العقائِدِ الأشعَرِيَّة الخَالِصَةِ، وهذا يُؤَدِّي إلى اعتِبَار ابن أبي زيد القيرواني حلقةً هامَّةً في سِلسِلَة أعلامِ المذهَبِ الأشعَرِي، بل مِن بَوَاكِير هذهِ السلسلةِ وكانَت المِحوَرَ الذِي عَلَيه سَائِر كُتُبِ المذهَب المالكي.

وفاته رضي الله عنه

تُوُفِّي أبُو محمد رحمه الله وغفر له سنةَ سِتٍّ وثمانِينَ وثلاثِمائةٍ وَرَثَاه كثيرٌ مِن أُدَبَاءِ القَيرَوَان مَرَاثٍ مُشجِيَةٍ، فمِن قَولِ أَبي الخَوَاصِّ الكَفِيفِ: 

عجبا أيدري الحاملون لِنَعشِهِ *** كيف استطاعت حمل بحر مُترَعِ

علمًا وحُكمًا كاملا وبَرَاعَة *** وتُقى وحسن سكينة وتورعِ

وَسَعَت فِجَاجُ الأرض سعيًا حوله *** مِن رَاغبٍ في سعيِهِ متبرعِ

يَبكُونَهُ وَلِكُلِّ بَاكٍ مِنهمُ *** ذُلُّ الأَسِيرِ وَحُرقَةُ المُتَوَجِّعِ

من أعظم الأدعية النبوية الشاملة

من أعظم الأدعية النبوية الشاملة

الدعاء عَنِ ابنِ عمرَ رضِيَ الله عنهما أَنَّهُ قال: قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى…

ربما يعجبك أيضا

Total
0
Share