بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين محمدٍ المبعوثِ رحمةً للعالمين وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واستنَّ بسنته إلى يوم الفصل والدين، أما بعد:
يقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا
سورة الأحزاب آية 23
مِنْ أجلِها ذَرَفَتْ عُيُون وَلِتُرْبِهَا حَنَّتْ قُلُـوب
فلَسطين
أرضُ القدس، أرضُ الأقصى، ومَسرى نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، والقبلةُ التي توجّه إليها رسولُ الله بعد الهجرة سبعة عشر شهرا.
أرضُ الأنبياء والمرسلين، فعلى أرضها عاش إبراهيمُ وإسحاقُ ويعقوب ويوسف ولوط وداود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام وغيرُهمُ الكثيرُ ممن لم تُذكَر أسماؤهم من أنبياءِ بني إسرائيل.
أرضُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وبيتُ المقدس أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ.
مَصْرَعُ الدَّجَّالِ ومَقتلُه حيثُ يلقاه عيسى عليه السلام، إنها فلسطين، من أرض الشام التي دعا لها رسولُ الله بقوله: “اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَفِي يَمَنِنَا“.
كان عليها الكثيرُ منْ صحابةِ رسول الله، منهم:
- عُبادةُ بنُ الصَّامِت
- وشدَّادُ بنُ أَوْس
- وأسامةُ بنُ زيدِ بنِ حارثة
- وواثِلَةُ بنُ الأَسْقَع
- ودِحيةُ الكَلْبِيّ
- وأَوسُ بنُ الصَّامِت
- ومَسعودُ بنُ أَوْس
- وغيرُهم مِنَ الصَّحابةِ الكرام رضي الله عنهم.
كان عليها الآلافُ منْ أعلامِ الأُمَّةِ وعلمائِها الذينَ أضَاؤُوا في سمائِها بُدورًا ولمعوا فيها نجومًا، ومِن هؤلاء:
- مالكُ بنُ دينار
- وسفيانُ الثَّوري
- وابنُ شهاب الزّهري
- والشافعيُّ وغيرُهم.
نعم، هذه هي فلسطين. من أجلها تَتَابَعَتِ التَّضْحِيَاتُ، وعَظُمَ البَذلُ.
من أجلها قال السلطانُ العادلُ محمود نور الدين زنكي: أَسْتَحِي مِنَ اللهِ أنْ أَتَبَسَّمْ وبيتُ المقدسِ في الأسر.
مِنْ أَجْلِهَا شمخَ صلاحُ الدِّين برأسِه وأعَدَّ عُدَّتَه لِيحرِّرَ أرضَ الأقصى، فنصره اللهُ ووفَّقَه لِفَتحِ بيتَ المقدس.
ومن أجلِها صاحَ المظفَّر قُطُز صيحتَه الشهيرة (وا إسلاماه).
ومن أجلها ضحّى السلطان عبدُ الحميد الثاني بعرشِه وملكِه وقال: لا أقدِرُ أنْ أبيعَ ولو قدمًا واحدًا من فلسطين.
نعم يا فلسطين … من أجلِكِ نهض هؤلاء.
واليومَ يهرعُ أعداؤُنا إلى ذبحِنا!!
واليومَ بُحَّتْ أصواتُ المنادِين والمستغيثينَ!!
إن ذكرى بطولاتِنا وأمجادِنا لا بدَّ أن تُحرِّكَ عزائمَنا إلى نُصرةِ دينِنا. ولعلكم تقولون ماذا نفعل؟
ليرجعْ كلٌّ إلى نفسِه ابتداءً فليصلِحْهَا ويقوِّم عِوَجَها ثم ليلتفت إلى أقرب الناس إليه فيفعل مثلَ ذلك، وهكذا تصلُحُ الأمَّةُ كلُّها.
قال الله تعالى
وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
سورة الحج آية 40
السلطان الغازي صلاح الدين الأيّوبي
لقد كان السلطانُ صلاحُ الدين رحمه الله شجاعًا، كريمًا، حليمًا، حسنَ الأخلاق، متواضعا، حافظا لكتاب الله، حافظا لكتابِ التنبيهِ في الفقه الشافعي، كثيرَ السماعِ للحديثِ النبويِّ الشريف، وكان رقيقَ القلبِ سريعَ الدمعةِ عندَ سماعِ القرءانِ والحديث،كثيرَ التعظيمِ لشعائرِ الدِّين، وكان مُتَقَشِّفًا في مأكلِه وملبسِه، ولم يُؤخِّر صلاةً عن وقتِها، ولا صلّى إلا في جماعة، عمّرَ المساجدَ والمدارس، وعمّرَ قلعةَ الجبل، وسورَ القاهرة، وحرَّرَ القُدس، وبَنَى قُبَّةَ الشافعي، وكانَ شافعيَّ المذهبِ أشعريَّ الاعتقاد، بنى مدرسةً في القاهرة لتعليمِ العقيدةِ فقط، وأمرَ المؤذِّنينَ أن يَجهَروا وقتَ التسبيح على المآذِن في الليل بذكرِ العقيدةِ المرشدة، فواظبَ المؤذِّنونَ على ذِكرها في كلِّ ليلةٍ بسائرِ الجوامع كما يقول السيوطي في كتابه الوسائل إلى مسامرة الأوائل، وفيها هذه الكلمات: الله موجودٌ قبلَ الخلقِ، ليس له قبلٌ ولا بعدٌ، ولا فوقٌ ولا تحتٌ، ولا يَمينٌ ولا شمالٌ، ولا أمامٌ ولا خلفٌ، ولا كلٌّ، ولا بعضٌ، ولا يقالُ متى كانَ ولا أينَ كانَ ولا كيفَ، كان ولا مكان، كوَّنَ الأكوانَ، ودبَّـر الزمانَ، لا يتقيَّدُ بالزمانِ ولا يتخصَّصُ بالمكان.
مُصيبتنا في فلسطين
حين نتحدث عن فلسطينَ والأقصى نجدُ أنفسَنا أمامَ مأساةٍ تعجَزُ الكلماتُ عن وصفِها، اختلطَتْ فيها العَبَراتُ بالعِبارات.
عمَّ نتحدّث؟ عن شعبٍ أعزلٍ يواجِهُ مجزرةً جماعيّةً بَشِعة، إن المؤامرةَ أصبحتْ حقيقةً واقعةً ظاهرةً للعيان، تتسارعُ خطُواتها يومًا بعد يوم، ومعَ ذلك نعلمُ يقينًا أن قضيةَ فلسطين لن تُنسى؛ لأنها في قلبِ كلِّ مسلم.
وقد قال الشاعرُ واصفًا حالَ أطفالِ غزة:
وطفلُ غزةَ يشكو ما دَهَـى عَـرَبًا بَنَوْا لأمتِنا أمجادَ شُجعانِ
أنا ابنُكُمْ ودَمِي المسفوحُ مِنْ دَمِكُمْ أنا وأنتم بدِيْنِ اللهِ صِنوانِ
أنا أخوكُم بعَهدِ اللهِ أينَ أنَا في ساعَةِ الذَّبْحِ مِن أهلِي وإخواني
أُمي هُناكَ وأشلاءٌ مُبَعْثَرةٌ كانتْ أَخِي وأبي في الدَّارِ نِصفانِ
وهذه مُدْيَةُ الجزَّارِ في عُنُقِي أَستشْعِرُ النَّصْلَ في الحُلقومِ أدماني
أنا أُحِـبُ نبيَّ اللهِ قُدْوتَنَا اللهُ ربيَ والـقـرءانُ قُـرءانـي
نسألُ الله تعالى أن يوحِّدَ صفوفَنا ويجمعَ كلمتَنا ويُعَجِّلَ لنا بالفرجِ والنصرِ المبين.