بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، أَمَّا بَعدُ:
المقدمة
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى
﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾
سُورَةُ الشورى (28)
إِنَّ فِي تَقَلُّبِ الزَّمَانِ لعِبْرَةً لِأُولِي الأَبْصَارِ، وَآيَةً بَيِّنَةً عَلَى قُدْرَةِ الخالِقِ القَهَّارِ، سُبْحَانَهُ يُدَاوِل بَيْنَ النَّاسِ الأَيَّامَ، فَتَجْرِي عَلَيْهِمُ الفُصُولُ طَوَالَ الأَشْهُرِ وَالْأَعْوَامِ، فَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ بَعْدَ الحَرِّ الشَّدِيدِ، وَيُغِيثُنَا بِفَصْلٍ هُوَ لِلطَّاعَةِ بُسْتَانٌ، وَلِلْعِبَادَةِ مَيْدَانٌ، مَوْسِمٌ لِلصِّيَامِ وَالقِيَامِ وَقِرَاءَةِ القُرْآنِ، وَالْخَشْيَةِ مِنْ الرَّحْمَنِ، وَالتَّبَتُّلِ وَالْبُكَاءِ، إِنَّهُ فَصْلُ الشِّتَاءِ.
بعض ما ورد في فضل الشتاء
عَنْ عَامِرِ بِنِ مَسعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ
الغَنِيمَةُ البَارِدَةُ الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ
رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ فِي سُنَنَهِ
وَعَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: “الشِّتاءُ رَبِيعُ الْمُؤْمِنِ“، أخرَجَهُ أَحمَدُ وَالبَيهَقِيُّ، وَزَادَ فِيهِ البَيهَقِيُّ: “طَالَ لَيْلُهُ فقامَهُ، وَقَصُرَ نَهَارُهُ فَصَامَهُ“.
وَإِنَّمَا كَانَ الشِّتَاءُ رَبِيعَ المُؤمِنِ لِأَنَّ المُؤَمٍّنَ يَرْتَعُ فِيهِ فِي رَوْضَاتِ الطَّاعَاتِ، وَيَسْرَحُ فِي مَيَادِينِ العِبَادَاتِ، وَيُنَزِّهُ القَلْبَ فِي رِيَاضِ الأَعْمَالِ، فَهُوَ فِيهِ فِي سِعَةِ عَيْشٍ مِنْ أَنْوَاعِ طَاعَةِ رَبِّهِ، فَلَا الصَّوْمُ يُجْهِدُهُ، وَلَا اللَّيْلُ يَضِيقُ عَنْ نَوْمِهِ وَقِيَامِهِ، وَقَد ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ: (الشِّتَاءُ غَنِيمَةُ العَابِدِينَ)، رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ بِإِسنَادٍ صَحِيحٍ.
وَكَانَ أَبُو هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَقُولُ: (أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى الغَنِيمَةِ البَارِدَةِ)، قَالُوا: بَلَى، فَيَقُولُ: (الصِّيَامُ فِي الشِّتَاءِ).
وَمَعنَى الغَنِيمَةِ البَارِدَةِ: أَيِ السَّهْلَةِ، لِأَنَّ حَرَارَةَ العَطَشِ لَا تَنَالُ الصَّائِمَ فِيهِ.
وَعَنِ ابنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: (مَرْحَبَا بِالشِّتَاءِ، تَنْزِلُ فيهِ البَرَكَةُ وَيَطُولُ فِيهِ اللَّيلُ لِلْقِيَامِ، ويَقْصُرُ فِيهِ النَّهَارُ لِلصِّيَامِ).
ما يقال عند البرد الشديد
عَن رَﺳُﻮلِ اﻟﻠَّﻪِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: “إِذَا ﻛَﺎنَ ﻳَﻮْمٌ ﺣَﺎرٌّ، ﻓَﻘَﺎلَ اﻟﺮَّﺟُﻞُ: ﻻَ إِﻟَﻪَ إِﻻَّ اﻟﻠَّﻪُ، ﻣَﺎ أَﺷَﺪَّ ﺣَﺮَّ ﻫَﺬَا اﻟﻴَﻮْمِ، اﻟﻠَّﻬُﻢَّ أَﺟِﺮْﻧِﻲ ﻣِﻦْ ﺣَﺮِّ ﺟَﻬَﻨَّﻢَ، ﻗَﺎلَ اﻟﻠَّﻪُ ﻋَﺰَّ وَﺟَﻞَّ ﻟِﺠَﻬَﻨَّﻢَ: إِنَّ ﻋَﺒْﺪًا ﻣِﻦْ ﻋِﺒَﺎدِي اﺳْﺘَﺠَﺎرَ ﺑِﻲ ﻣِﻦْ ﺣَﺮِّكِ ﻓَﺎﺷْﻬَﺪِي أَﻧِّﻲ أَﺟَﺮْﺗُﻪُ، وَإِن ﻛَﺎنَ ﻳَﻮْمٌ ﺷَﺪِﻳﺪُ البَردِ، ﻓَﺈِذَا ﻗَﺎلَ اﻟْﻌَﺒْﺪُ: ﻻَ إﻟَﻪَ إِﻻَّ اﻟﻠَّﻪُ، ﻣَﺎ أَﺷَﺪَّ ﺑﺮدَ ﻫَﺬَا اﻟْﻴَﻮْمِ، اﻟﻠَّﻬُﻢَّ أَﺟِﺮْﻧِﻲ ﻣِﻦْ زَﻣْﻬَﺮِﻳﺮِ ﺟَﻬَﻨَّﻢَ، ﻗَﺎلَ اﻟﻠَّﻪُ ﻋَﺰَّ وَﺟَﻞَّ ﻟِﺠَﻬَﻨَّﻢَ: إِنَّ ﻋَﺒْﺪًا ﻣِﻦْ ﻋِﺒَﺎدِي ﻗَﺪِ اﺳْﺘَﺠَﺎرَﻧِﻲ ﻣِﻦْ زَﻣْﻬَﺮِﻳﺮِكِ، وَإِﻧِّﻲ أُﺷْﻬِﺪُكِ أَﻧِّﻲ ﻗَﺪْ أَﺟَﺮْﺗُﻪُ“. ﻗَﺎﻟُﻮا: ﻣَﺎ زَﻣْﻬَﺮِﻳﺮُ ﺟَﻬَﻨَّﻢَ؟ ﻗَﺎلَ: “ﺑَﻴْﺖٌ ﻳُﻠْﻘَﻰ ﻓِﻴﻪِ اﻟْﻜَﺎﻓِﺮُ، ﻓَﻴَﺘَﻤَﻴَّﺰُ ﻣِﻦْ ﺷِﺪَّةِ ﺑَﺮدِﻫَﺎ ﺑَﻌْﻀُﻪُ ﻣِﻦْ ﺑَﻌْﺾٍ“، رَوَاهُ ابْنُ السُّنِّيِّ فِي عَمَلِ اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ.
وَقَدْ جَعَلَ اللهُ تَعَالَى مَا فِي الدُّنْيَا مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ مُذَكِّرًا بِحَرِّ جَهَنَّمَ وَبَرْدِهَا، وَدَلِيلًا عَلَيْهَا، وَلِهَذَا تُسْتَحَبُّ الِاسْتِعَاذَةُ مِنْهَا عِنْدَ وُجُودِ ذَلِكَ.
وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: “اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: رَبِّي، أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأُذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ“، رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.
ما يقال عند نزول المطر
عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ اَلْمَطَرِ
اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ، لَا سُقْيَا عَذَابٍ وَلَا بَلَاءٍ وَلَا هَدمٍ وَلَا غَرَقٍ، اللهم عَلَى الظِّرَابِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا
رَوَاهُ البَيهَقِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي مُسنَدِهِ وَغَيرِهِمَا
وَيُرْجَى إِجَابَةُ الدُّعَاءِ عِنْدَ نُزُولِهِ، قَالَ الْحَافِظُ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ: يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ عِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، وَرَوَى فِيهِ حَدِيثًا ضَعِيفًا مُرْسَلًا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: “اُطْلُبُوا اسْتِجَابَةَ الدُّعَاءِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الْجُيُوشِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَنُزُولِ الْغَيْثِ“، قَالَ الشَّافِعِيُّ وَحَفِظْتُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ طَلَبَ الْإِجَابَةِ عِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ. اهـ.
وَقَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ
مَاءُ المطَرِ فِيْهِ بَرَكَةٌ لَا سِيَّمَا أَوَّلَ مَرَّةٍ يَنْزِلُ فِيْهَا المطَرُ.
قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ﴾، [سُورَةُ ق: 9].
ما يقال عند هبوب الريح
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ قَالَ: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ“، رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: “الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ (أَيْ رَحْمَةِ) اللهِ (وَلَيْسَ المَعْنَى أَنَّ لِلَّهِ رُوحًا تَنَزَّهَ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ) عَزَّ وَجَلَّ، تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ، وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلاَ تَسُبُّوهَا، وَسَلُوا اللهَ خَيْرَهَا، وَاسْتَعِيذُوا بِهِ مِنْ شَرِّهَا“، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيرُهُ.
فوائد عن البرق والرعد
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ
الرَّعْدُ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بالسَّحَابِ مَعَهُ مَخَارِيْقُ مِنْ نَارٍ يَسُوْقُ بِهَا السَّحَابَ
رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ
فَالصَّوْتُ الَّذِي يُسْمَعُ هُوَ زَجْرُ المَلَكِ السَّحَابَ بالمَخَارِيقِ حَتَّى يَنْتَهِيَ بِهَا إِلَى حَيْثُ أَمَرَ اللهُ، والبَرْقُ يَظْهَرُ عِندَ ذَلِك.
فَلَا يَجُوزُ سَبُّ الرَّعْدِ، لِأَنَّهُ مَلَكٌ كَرِيمٌ عِنْدَ اللَّهِ، فُمْسَبَتُهُ كَسْبِّ أَيِّ فَرْدٍ مِنْ اَلْمَلَائِكَةِ.
قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾، [سُورَةُ البقرة: 98].
ما يقال عند سماع صوت الرعد
وَيُسَنُّ لَنَا أَنْ نَقُولَ عِندَ رُؤْيَةِ البَرْقِ وَسَمَاعِ الصَّوتِ: (سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ، والمَلائِكَةُ مِنْ خِيْفَتِهِ).
فَعَن رَسُولِ اللهِ ﷺ أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ وَالصَّوَاعِقِ قَالَ: “اللهم لَا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ، وَلَا تُهْلِكْنَا بِعَذَابِك، وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ“، رَوَاهُ أَحمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَالحَاكِمُ.
وَمَن جَمَعَ بَينَ الأَمْرَينِ فَقَالَ: (سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ والمَلائِكَةُ مِنْ خِيْفَتِهِ، اللهم لَا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ، وَلَا تُهْلِكْنَا بِعَذَابِك، وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ) فَذَلِكَ حَسَنٌ.
الخاتمة
إِنَّ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِعِبَادِهِ أَن مَنَّ عَلَيْهِمْ بِمَوَاسِمَ لِلْخَيْرَاتِ، حَتَّى تَتَجَدَّدَ عَزَائِمُ هِمَّتِهِمْ وَيَتَزَوَّدُوا لِآخِرَتِهِمْ، فَيَنْبَغِي لِلْحَاذِقِ أَنْ يَغْتَنِمَ شِتَاءَهُ بِالصِّيَامِ وَالقِيَامِ قَبْلَ فَوَاتِ الأَوَانِ، فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بَكَى عِنْدَ مَشْهَدِ الاحْتضَارِ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَجْزَعُ مِنَ الْمَوْتِ وَتَبْكِي ؟! فَقَالَ: (مَالِي لَا أَبْكِي، وَمَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنِّي؟ وَاللهِ مَا أَبْكِي جَزَعًا مِنَ الْمَوْتِ، وَلَا حِرْصًا عَلَى دُنْيَاكُمْ، وَلَكِنِّي أَبْكِي عَلَى ظَمَإِ الهَوَاجِرِ وَقِيَامِ لَيْلِ الشِّتَاءِ).