بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ ﷺ، أَمَّا بَعدُ:
المقدمة
قَالَ تَعَالَى
﴿المَالُ وَالبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيرٌ أَمَلًا﴾
سورة الكهف (٤٦)
الأَولَادُ ذُكُورًا وَإِنَاثًا نِعمَةٌ عَظِيمَةٌ مِن نِعَمِ اللهِ تَعَالَى عَلَينَا، فَقَد جَعَلَ اللهُ لَنَا مِن أَصلَابِنَا بَنِينَ وَبَنَاتٍ لَهُم أَهَمِّيَةٌ كَبِيرَةٌ فِي حَيَاتِنَا، وَأَمَرَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالاهتِمَامِ بِهِم مُنذُ الوِلَادَةِ وَأَن نَعمَلَ عَلَى تَربِيَتِهِم وَتَنشِئَتِهِم نَشأَةً طَيِّبَةً صَالِحَةً لِيَكُونُوا مِنَ البَارِّينَ المُطِيعِينَ النَّّاصِرِينَ النَّاشِرِينَ لِدِينِ الإِسلَامِ الحَنِيفِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بَاتِّبَاعِ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَإِنَّ أَحسَنَ الهَديِ هَديُ مُحَمَّدٍ وإِنَّ أَحسَنَ الآدَابِ الآدَابُ المُحَمَّدِيَةُ، لِذَلِكَ نَذكُرُ لَكُم بَعضَ الآدَابِ النَّبَوِيَّةِ لِمَن جَاءَهُ مَولُودٌ لَا عَلَى قَصدِ الحَصرِ:
ماذا تقول الأم قبل الولادة وعند الولادة وبعدها؟ وما هي الأدعية التي تيسر الولادة؟
رُوِيَ فِي كِتَابِ ابنِ السُّنِّيِّ عَن فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَمَّا اقتَرَبَت وِلَادَتُهَا أَمَرَ أُمَّ سُلَيمٍ وَزَينَبَ بِنتَ جَحشٍ أَن تَأتِيَا فَتَقرَآ عِندَهَا آيَةَ الكُرسِيِّ و﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ﴾ [سورة الأعراف: ٥٤] إِلَى آخِرِ الآيَةِ، وَتُعَوِّذهَا بِالمُعَوِّذَتَينِ، أَيِ الفَلَقِ وَالنَّاسِ.
وَيَنبَغِي أَن تُكثِرَ مِن أَدعِيَةِ الكَربِ، وَمِنهُ:
- مَا فِي صَحِيحَيِ البُخَارِيِّ وَمُسلِمٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ عِندَ الكَربِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ العَرشِ العَظِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرضِ رَبُّ العَرشِ الكَرِيمُ».
- وَفِي سُنَنِ التِّرمِذِيِّ عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ كَانَ إِذَا كَرَبَهُ أَمرٌ قَالَ: «يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحمَتِكَ أَستَغِيثُ»، قَالَ الحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسنَادِ.
- وَفِي صَحِيحَيِ البُخَارِيِّ وَمُسلِمٍ عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ أَكثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ ﷺ: «اللهم آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ»، زَادَ مُسلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ: وَكَانَ أَنَسٌ إِذَا أَرَادَ أَن يَدعُوَ بِدَعوَةٍ دَعَا بِهَا، فَإِذَا أَرَادَ أَن يَدعُوَ بِدُعَاءٍ دَعَا بِهَا فِيهِ.
- وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ وَكِتَابِ ابنِ السُّنِّيِّ عَن عَبدِ اللهِ بنِ جَعفَرٍ عَن عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُم قَالَ: لَقَّنَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ هَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ وَأَمَرَنِي إِن نَزَلَ بِيَ كَربٌ أَو شِدَّةٌ أَن أَقُولَهَا: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الكَرِيمُ العَظِيمُ، سُبحَانَهُ، تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَرشِ العَظِيمِ، الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ»، وَكَانَ عَبدُ اللهِ بنُ جَعفَرٍ يُلَقِّنُهَا وَيَنفُثُ بِهَا عَلَى المَحمُومِ، وَيُعَلِّمُهَا المُغتَرِبَةَ مِن بَنَاتِهِ، أَيِ الَّتِي تَزَوَّجَت إِلَى غَيرِ أَقَارِبِهَا.
- وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَن أَبِي بَكرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «دَعَوَاتُ المَكرُوبِ: اللهم رَحمَتَكَ أرجُو فَلَا تَكِلنِي إِلَى نَفسِي طَرفَةَ عَينٍ، وَأَصلِح لِي شَأنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ».
- وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَابنِ مَاجَهْ عَن أَسمَاءَ بِنتِ عُمَيسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَت: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَلَا أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهُنَّ عِندَ الكَربِ» أَو «فِي الكَربِ: اللهُ اللهُ رَبي لَا أُشرِكُ بِهِ شَيئًا».
- وَرَوَى ابنُ السُّنِّيِّ عَن قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن قَرَأَ آيَةَ الكُرسِيِّ وَخَوَاتِيمَ سُورَةِ البَقَرَةِ عِندَ الكَربِ أَغَاثَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ».
- وَعَن سَعدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنِّي لَأَعلَمُ كَلِمَةً لَا يَقُولُهَا مَكرُوبٌ إِلَّا فُرِّجَ عَنهُ: كَلِمَةَ أَخِي يُونُسَ ﷺ﴿فنَادَى فِي الظُّلُماتِ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، [سورة الأنبياء: 87]»، وَرَوَاهُ التِّرمِذِيُّ عَن سَعدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «دَعوَةُ ذِي النُّونِ إذ دَعا رَبَّهُ وَهُوَ في بَطنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، لَم يَدعُ بِها رَجُلٌ مُسلِمٌ فِي شَيءٍ قَطُّ إِلَّا استَجَابَ لَهُ».
ماذا يستحب أن يفعل أول الولادة
يُسَنُّ أَن يُفعَلَ لِلمَولُودِ أَوَّلَ الوِلَادَةِ أُمُورٌ مِنهَا:
الأذان والإقامة
عَن أَبِي رَافِعٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مَولَى رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: «رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ أَذَّنَ فِي أُذُنِ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ حِينَ وَلَدَتهُ فَاطِمَةُ بِالصَّلَاةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَالتِّرمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
فَيُستَحَبُّ أَوَّلَ الوِلَادَةِ أَن يُؤَذَّنَ فِي أُذُنِ المَولُودِ اليُمنَى وَتُقَامَ الصَّلَاةُ فِي اليُسرَى، لِيَكُونَ إِعلَامُهُ بِالتَّوحِيدِ أَوَّلَ مَا يَقرَعُ سَمعَهُ عِندَ قُدُومِهِ إِلَى الدُّنيَا، كَمَا يُلَقَّنُ عِندَ خُرُوجِهِ مِنهَا، وَلِأَنَّ مَن فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ لَم تَضُرَّهُ أُمُّ الصِّبيَانِ (وَهِيَ شَيطَانَةٌ مِن شَيَاطِينِ الجِنِّ تُسَمَّى القَرِينَةَ تَلحَقُ الأَطفَالَ وَتُؤذِيهِم)، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الأَذكَارِ: وَقَد رَوَينَا فِي كِتَابِ ابنِ السُّنِّيِّ عَنِ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن وُلِدَ لَهُ مَولُودٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ اليُمنَى وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ اليُسرَى لَم تَضُرَّهُ أُمُّ الصِّبيَانِ»، وَرَوَى مِثلَهُ البَيهَقِيُّ.
وَكَانَ عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ إِذَا وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ أَذَّنَ فِي أُذُنِهِ اليُمنَى وَأَقَامَ فِي اليُسرَى. وَيُستَحَبُّ أَن يَقُولَ فِي أُذُنِهِ: ﴿وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ﴾، [سورة آل عمران: ٣٦].
التحنيك والدعاء للمولود بالبركة
جاء فِي البُخَارِيِّ وَمُسلِمٍ عَن أَسمَاءَ بِنتِ أَبِي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَت: حَمَلتُ بِعَبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ بِمَكَّةَ، فَأَتَيتُ المَدِينَةَ فَنَزَلتُ قُبَاءَ، فَوَلَدتُ بِقُبَاءَ، ثُمَّ أَتَيتُ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ، فَوَضَعَهُ فِي حِجرِهِ ثُمَّ دَعَا بِتَمرَةٍ فَمَضَغَهَا ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلُ شَيءٍ دَخَلَ جَوفَهَ رِيقَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، ثُمَّ حَنَّكَهُ بِالتَّمرَةِ، ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَارَكَ عَلَيهِ.
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَت: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُؤتَى بِالصِّبيَانِ فَيَدعُو لَهُم وَيُحَنِّكُهُم وَفِي رِوَايَةٍ: فَيَدعُو لَهُم بِالبَرَكَةِ.
وَعَن أَبِي مُوسَى الأَشعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: وُلِدَ لِي غُلَامٌ، فَأَتَيتُ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ فَسَمَّاهُ إِبرَاهِيمَ، وَحَنَّكَهُ بِتَمرَةٍ، وَدَعَا لَهُ بِالبَرَكَةِ.
وَرَوَى مُسلِمٌ أَنَّهُ ﷺ أَتَى بِابنِ أَبِي طَلحَةَ حِينَ وُلِدَ وَتَمَرَاتٍ فَلَاكَهُنَّ ثُمَّ فَغَرَ فَاهُ الصَّبِيُّ [أَيْ فَتَحَ الصَّبِيُّ فَمَهُ] ثُمَّ مَجَّهُ فِيهِ فَجَعَلَ يَتَلَمَّظُ [أَيْ يُدِير الصَّبِيُّ لِسَانه فِي فِيه ويُحَرِّكُه يَتَتَبَّع أَثَرَ التَّمْرِ] فَقَالَ ﷺ: «حُبُّ الأَنصَارِ التَّمرُ» وَسَمَّاهُ عَبدَ اللهِ.
وَالتَّحنِيكُ يَكُونُ بِتَمرٍ بِأَن يُمضَغَ وَيُدَلَّكَ بِهِ حَنَكُهُ دَاخِلَ الفَمِ حَتَّى يَنزِلَ إلَى جَوفِهِ شَيءٌ مِنهُ، فَإِن لَم يَكُن تَمرٌ حَنَّكَهُ بِشَيءٍ آخَرَ حُلوٍ، وَيَكفِي بَدَلَ التَّمرِ الرُّطَبُ.
مَن يحنك المولود؟
الأَحسَنُ أَن يَتَوَلَّى التَّحنِيكَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِن أَهلِ الفَضلِ، فَإِن لَم يَكُن رَجُلٌ فَامرَأَةٌ صَالِحَةٌ، فَإِن لَم يَجِدُوا حَنَّكَهُ وَاحِدٌ مِنهُم وَلَا يَنبَغِي أَن يُفَوِّتُوا سُنِّيَّةَ التَّحنِيكِ.
ما الحكمة من تحنيك الطفل؟
الحِكمَةُ مِنَ التَّحنِيكِ التَّفَاؤُلُ بِحَلَاوَةِ أَخلَاقِ المَولُودِ.
متى يكون وقت التحنيك؟
وَقتُ التَّحنِيكِ يَكُونُ مِن حِينِ يُولَدُ الطِّفلُ إِلَى خُرُوجِ وَقتِ المَغرِبِ إِن وُلِدَ نَهَارًا، وَإِذَا وُلِدَ الطِّفلُ بِاللَّيلِ فَوَقتُهُ يَستَمِرُّ إِلَى خُرُوجِ وَقتِ الفَجرِ.
استحباب التهنئة وجواب المهنأ
يُستَحَبُّ تَهنِئَةُ المَولُودِ لَهُ، وَيُستَحَبُّ أَن يُهَنَّأَ بِمَا جَاءَ عَنِ الحُسَينِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ عَلَّمَ إِنسَانًا التَّهنِئَةَ فَقَالَ: “قُل: بَارَكَ اللهُ لَكَ فِي المَوهُوبِ لَكَ، وَشَكَرتَ الوَاهِبَ، وَبَلَغَ أَشُدَّهُ، وَرُزِقتَ بِرَّهُ“.
وَيُستَحَبُّ أَن يَرُدَّ عَلَى المُهَنِّئِ فَيَقُولُ: بَارَكَ اللهُ لَكَ، وَبَارَكَ عَلَيكَ، وَجَزَاكَ اللهُ خَيرًا، وَرَزَقَكَ اللهُ مِثلَهُ، أَو أَجزَلَ اللهُ ثَوَابَكَ، وَنَحوَ هَذَا.
ماذا يستحب في اليوم السابع
يُستَحَبُّ إِذَا بَلَغَ المَولُودُ سَبعَ أَيَّامٍ أَشيَاءُ تُفعَلُ لَهُ مِنهَا:
العقيقة
ما هي العقيقة؟
هِيَ لُغَةً اسمٌ لِلشَّعَرِ الَّذِي عَلَى رَأسِ الوَلَدِ حِينَ وِلَادَتِهِ، وَشَرعًا الذَّبِيحَةُ عَنِ المَولُودِ.
حكم العقيقة
هِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى مَن تَلزَمُهُ نَفَقَةُ المَولُودِ وَلَو كَانَ فَقِيرًا، لِخَبَرِ التِّرمِذِيِّ: «الغُلَامُ مُرتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذبَحُ عَنهُ يَومَ السَّابِعِ وَيُحلَقُ رَأسُهُ وَيُسَمَّى»، وَمَعنَى: «مُرتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ» أَي لَا يَنمُو نُمُوَّ مِثلِهِ حَتَّى يُعَقَّ عَنهُ، وَقَالَ أَحمَدُ بنُ حَنبَلٍ: مَعنَاهُ أَنَّهُ إِذَا لَم يُعَقَّ عَنهُ لَم يَشفَع فِي وَالِدَيهِ يَومَ القِيَامَةِ، وَقَالَ الخَطَّابِيُّ: إِنَّهُ أَجوَدُ مَا قِيلَ فِيهِ، وَلَم تَجِب لِخَبَرِ أَبِي دَاوُدَ: «مَن أَحَبَّ أَن يَنسُكَ عَن وَلَدِهِ فَليَفعَل».
الحكمة من العقيقة
إِظهَارُ البِشرِ وَالنِّعمَةِ.
متى تستحب العقيقة؟
وَالمُستَحَبُّ ذَبحُهَا مِن يَومِ الوِلَادَةِ إِلَى بُلُوغِهِ، لَكِنَّهَا تُسَنُّ يَومَ سَابِعِ وِلَادَتِهِ بِحِسَابِ يَومِ الوِلَادَةِ مِنَ السَّبعِ، وَإِن مَاتَ قَبلَهُ فَلَا تَفُوتُ بِالمَوتِ أَي تَبقَى سُنِّيَتُهَا وَيَصِحُّ أَن يَذبَحَهَا عَنهُ، فَإِن أُخِّرَت حَتَّى بَلَغَ سَقَطَ حُكمُهَا فِي حَقِّ العَاقِّ، أَمَّا هُوَ فَمُخَيَّرٌ فِي العَقِيقَةِ عَن نَفسِهِ وَالتَّركِ.
ماذا يعق عن الذكر وعن الأنثى؟
يُعَقُّ عَنِ الأُنثَى شَاةٌ، وَعَنِ الذَّكَرِ شَاتَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ، وَيَحصُلُ أَصلُ السُّنَّةِ بِوَاحِدَةٍ إِن أُرِيدَ العَقُّ بِالشِّيَاهِ، وتَتَعَدَّدُ العَقِيقَةُ بِتَعَدُّدِ الأَولَادِ، وَلَا بُدَّ أَن تَكُونَ العَقِيقَةُ جَذَعَةُ ضَأنٍ أَي أُنثَى ضَأنٍ أَتَمَّت سَنَةً وَدَخَلَت فِي الثَّانِيَةِ، أَو ثَنِيَّةُ مَعزٍ أَي أُنثَى مَعزٍ أَتَمَّت سَنَتَينِ وَدَخَلَت فِي الثَّالِثَةِ، كَالأُضحِيَّةِ، وَيُشتَرَطُ سَلَامَتُهُمَا مِنَ العَيبِ المَانِعِ فِي الأُضحِيَّةِ.
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي العَقِيقَةِ عَنِ الذَّكَرِ: «شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ، وَعَنِ الجَارِيَةِ شَاةٌ»، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
كيفية التصدق بالعقيقة
يُستَحَبُّ أَن لَا يَتَصَدَّقَ بِلَحمِهَا نَيِّئًا، بَل يُستَحَبُّ طَبخُهَا إِلَّا رِجلَهَا، وَيُسَنَّ أَن تُعطَى رِجلُهَا اليُمنَى إِلَى أَصلِ الفَخِذِ لِلقَابِلَةِ (وَهِيَ الَّتِي تُوَلِّدُ الوَلَدَ) لِخَبَرِ الحَاكِمِ: «وَأَعطِي القَابِلَةَ رِجلَ العَقِيقَةِ»، وَسُنَّ طَبخُهَا بِحُلوٍ تَفَاؤُلًا بِحَلَاوَةِ أَخلَاقِ المَولُودِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُحِبُّ الحَلوَى وَالعَسَلَ، وَيُستَحَبُّ أَن لَا يَكسِرَ عِظَامَ العَقِيقَةِ مَا أَمكَنَ، بَل يَقطَعُ كُلَّ عُضوٍ مِن مِفصَلِهِ، فَإِن كَسَرَ لَم يُكرَه، ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِلَحمِهَا وَمَرَقِهَا عَلَى المَسَاكِينِ، وَأَن يَبعَثَ الطَّعَامَ إِلَيهِم أَفضَلُ مِنَ أَن يَدعُوَهُم إِلَيهَا، وَلَو دَعَا إِلَيهَا بَعضَهُم فَلَا بَأسَ.
حلق شعر المولود والتصدق عنه
يُستَحَبُّ أَن يُحلَقَ رَأسُ المَولُودِ يَومَ السَّابِعِ، وَيُتَصَدَّقُ بِوَزنِ شَعرِهِ ذَهَبًا أَو فِضَّةٌ، سَوَاءٌ فِيهِ الذَّكَرُ وَالأُنثَى، لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ فَاطِمَةَ فَقَالَ: «زِنِي شَعَرَ الحُسَينِ وَتَصَدَّقِي بِوَزنِهِ فِضَّةً وَأَعطِي القَابِلَةَ رِجلَ العَقِيقَةِ»، رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، قَالَ فِي التَّهذِيبِ: يُحلَقُ بَعدَ ذَبحِ العَقِيقَةِ.
التسمية
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي أَذكَارِهِ: “السُّنَّةُ أَن يُسَمَّى المَولُودُ فِي اليَومِ السَّابِعِ مِن وِلَادَتِهِ أَو يَومَ الوِلَادَةِ“، وَاستَدَلَّ لِكُلٍّ مِنهُمَا بِأَخبَارٍ صَحِيحَةٍ، وَحَمَلَ البُخَارِيُّ أَخبَارَ يَومِ الوِلَادَةِ عَلى مَن لَم يُرِدِ العَقَّ، وَأَخبَارَ يَومِ السَّابِعِ عَلَى مَن أَرَادَهُ.
وَلَا تَفُوتُ التَّسمِيَةُ بِالمَوتِ، بَل قَالُوا سُنَّ تَسمِيَةُ السِّقطِ إِذَا نُفِخَت فِيهِ الرُّوحُ، فَإِن لَم يُعلَم أَذَكَرٌ هُوَ أَو أُنثَى، سُمِّيَ بِاسمٍ يَصلُحُ لِلذَّكَرِ وَالأُنثَى، كَأَسمَاءَ، وَهِندَ، وَهُنَيدَةَ، وَخَارِجَةَ، وَطَلحَةَ، وَعُمَيرَةَ، وَزُرعَةَ، وَنَحوِ ذَلِكَ، وَلَو مَاتَ المَولُودُ قَبلَ تَسمِيَتِهِ استُحِبَّ تَسمِيَتُهُ.
استحباب تحسين الاسم
عَن أَبِي الدَّردَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّكُم تُدعَونَ يَومَ القِيامَةِ بِأَسمَائِكُم وَأَسمَاءِ آبَائِكُم فَأَحسِنُوا أَسمَاءَكُم»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ، فَلتَكُنِ التَّسمِيَةُ بَاسِمٍ حَسَنٍ كَعَبدِ اللهِ وَعَبدِ الرَّحمَنِ.
أحب الأسماء إلى الله تعالى
عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ أَحَبَّ أَسمَائِكُم إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَبدُ اللهِ وَعَبدُ الرَّحمَنِ»، رَوَاهُ مُسلِمٌ فِي صَحِيحِهِ.
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيرِهِمَا عَن أَبِي وُهَيبٍ الجُشَمِيِّ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «تَسَمَّوا بِأَسمَاءِ الأَنبِيَاءِ، وَأَحَبُّ الأَسمَاءِ إِلَى اللهِ تَعَالَى: عَبدُ اللهِ وَعَبدُ الرَّحمَنِ، وَأَصدَقُهَا: حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقبَحُهَا: حَربٌ وَمُرَّةٌ».
ماذا يكره ويحرم من الأسماء
تُكرَهُ الأَسمَاءُ القَبِيحَةُ كَحَربٍ وَمُرَّةَ، وَتَشتَدُّ الكَرَاهَةُ بِنَحوِ سِتِّ النَّاسِ وَسِتِّ العَرَبِ وَسَيِّدِ النَّاسِ وَسَيِّدِ العُلَمَاءِ.
وَتَحرُمُ التَّسمِيَةُ بِعَبدِ الكَعبَةِ وَعَبدِ الحَسَنِ وَكَذَا كُلِّ مَا أُضِيفَ بِالعُبُودِيَّةِ لِغَيرِ أَسمَائِهِ تَعَالَى لِإِيهَامِهِ التَّشرِيكَ، وَكَذَا تَحرُمُ التَّسمِيَةُ بِعَبدِ العَاطِي كَمَا قَالَ البَاجُورِيُّ وَالبُجَيرِمِيُّ، إِذ لَم يَرِدِ العَاطِي فِي أَسمَاءِ اللهِ تَعَالَى وَأَسمَاؤُهُ عَزَّ وَجَلَّ تَوقِيفِيَّةٌ وَمِن ذَلِكَ تَسمِيَةُ بَعضِ الأَعَاجِمِ أَولَادَهُم بِعَبدِ السُّبحَانِ وَنَحوِهِ وَرُبَّمَا أَضَافُوا إِلَى اسمِ اللهِ تَعَالَى مَا لَا يَجُوزُ إِضَافَتُهُ إِلَيهِ لِلتَّبَرُّكِ بِزَعمِهِم لِعَدَمِ فَهمِهِمُ المَعنَى بَل رُبَّمَا نَادَى أَحَدُهُمُ الآخَرَ يَا رَحمَانُ وَهُوَ شَدِيدُ القُبحِ إِذِ الرَّحمَنُ مِن أَسمَاءِ اللهِ الَّتِي لَا يَجُوزُ أَن يُسَمَّى بِهَا غَيرُهُ.
وَتَحرُمُ أَيضًا التَّسمِيَةُ بِأَقضَى القُضَاةِ وَمَلِكِ الأَملَاكِ وَحَاكِمِ الحُكَّامِ، فَفِي البُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «أَخْنَعُ اسْمٍ عِنْدَ اللهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ: أَخْنَعُ الْأَسْمَاءِ عِنْدَ اللهِ رَجُلٌ تَسَمَّى بِمَلِكِ الْأَمْلَاكِ»، قَالَ سُفْيَانُ: يَقُولُ غَيْرُهُ: تَفْسِيرُهُ شَاهَانْ شَاهْ.اهـ
وَتَحرُمُ التَّسمِيَةُ بِجَارِ اللهِ وَنَحوِهِ كَرَفِيقِ اللهِ لِإِيهَامِهِ المَحذُورَ مِنَ التَّجسِيمِ وَنِسبَةِ المَكَانِ إِلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَيَحرُمُ تَلقِيبُ الإِنسَانِ بِمَا يَكرَهُ وَإِن كَانَ فِيهِ كَالأَعمَشِ، وَإِن جَازَ ذِكرُهُ بِهِ لِلتَّعرِيفِ إِذَا لَم يُعرَف إِلَّا بِذَلِكَ، وَلَا بَأسَ بِالأَلقَابِ الحَسَنَةِ.
استحباب التكني
يُسَنُّ أَن يُكَنَّى أَهلُ الفَضلِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الأَذكَارِ: هَذَا البَابُ أَشهَرُ مِن أَن نَذكُرَ فِيهِ شَيئًا مَنقُولًا، فَإِنَّ دَلَائِلَهُ يَشتَرِكُ فِيهَا الخَوَاصُّ وَالعَوَامُّ، وَالأَدَبُ أَن يُخَاطَبَ أَهلُ الفَضلِ وَمَن قَارَبَهُم بِالكُنيَةِ، وَكَذَلِكَ إِن كُتِبَ إِلَيهِ رِسَالَةٌ، وَكَذَا إِن رَوَى عَنهُ رِوَايَةً، فَيُقَالُ: حَدَّثَنَا الشَّيخُ أَوِ الإِمَامُ أَبُو فُلَانٍ، فُلَانُ بنُ فُلَانٍ، وَمَا أَشبَهَهُ، وَالأَدَبُ أَن لَا يَذكُرَ الرَّجُلُ كُنيَتَهُ فِي كِتَابِهِ وَلَا فِي غَيرِهِ، إِلَّا أَن لَا يُعرَفَ إِلَّا بِكُنيَتِهِ، أَو كَانَتِ الكُنيَةُ أَشهَرَ مِنَ اسمِهِ.
لا يكنى الكافر ولا المبتدع ولا الفاسق
لَا يُكَنَّى كَافِرٌ وَلَا فَاسِقٌ وَلَا مُبتَدِعٌ لِغَيرِ عُذرٍ مِن خَوفِ فِتنَةٍ أَو تَعرِيفٍ لَهُم لِأَنَّ الكُنيَةَ لِلتَّكرِمَةِ وَلَيسُوا مِن أَهلِهَا بَل أُمِرنَا بِالإِغلَاظِ عَلَيهِم، وَالعُذرُ كَمَا كُنِّيَ أَبُو لَهَبٍ بِذَلِكَ فِي القُرآنِ لِاشتِهَارِهِ بِهِ وَكَانَ اسمُهُ عَبدَ العُزَّى وَالعُزَّى صَنَمٌ، قَالَ بَعضُهُم: وَلِذَلِكَ كُنِّيَ وَلَم يُسَمَّ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الأَذكَارِ: هَذَا كُلُّهُ إِذَا وُجِدَ الشَّرطُ الَّذِي ذَكَرنَاهُ فِي التَّرجَمَةِ (إِذَا كَانَ لَا يُعرَفُ إِلَّا بِهَا أَو خِيفَ مِن ذِكرِهِ بِاسمِهِ فِتنَةٌ)، فَإِن لَم يُوجَد عُذرٌ لَم يَزِد عَلَى الِاسمِ، كَمَا رَوَينَاهُ فِي الصَّحِيحَينِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَتَبَ: «مِن مُحَمَّدٍ عَبدِ اللهِ وَرَسُولِهِ إلى هِرَقلَ» فَسَمَّاهُ بِاسمِهِ وَلَم يُكَنِّهِ وَلَا لَقَّبَهُ بِلَقَبِ مَلِكِ الرُّومِ وَهُوَ قَيصَرَ، وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ، وَقَد أُمِرنَا بِالإِغلَاظِ عَلَيهِم، فَلَا يَنبَغِي أَن نُكَنِّيَهُم وَلَا نُرَقِّقَ لَهُمُ العِبَارَةَ، وَلَا نُلَيِّنَ لَهُمُ القَولَ، وَلَا نُظهِرَ لَهُمُ الوُدَّ وَلَا المُؤَالَفَةَ.
أحكام الختان
الخِتَانُ عِندَ الشَّافِعِيَّةِ وَاجِبٌ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَخِتَانُ الرَّجُلِ: قَطعُ الجِلدَةِ الَّتِي تُغَطِّي الحَشَفَةَ حَتَّى تَنكَشِفَ جَمِيعُ الحَشَفَةِ، وَيُقَالُ لِتِلكَ الجِلدَةِ: القُلفَةُ، وَأَمَّا مِنَ المَرأَةِ، فَتُقطَعُ مِنَ اللَّحمَةِ الَّتِي فِي أَعلَى الفَرجِ فَوقَ مَخرَجِ البَولِ، وَتُشبِهُ تِلكَ اللَّحمَةُ عُرفَ الدِّيكِ، فَإِذَا قُطِعَت بَقِيَ أَصلُهَا كَالنَّوَاةِ، وَيَكفِي أَن يُقطَعَ شَيءٌ قَلِيلٌ مِنهَا. كَمَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوضَةِ.
وَإِنَّمَا يَجِبُ الخِتَانُ بَعدَ البُلُوغِ لِقَولِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ أَوحَينَا إِلَيكَ أَنِ اتَّبِع مِلَّةَ إِبرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾، [سورة النحل: 123]، وَكَانَ مِن مِلَّتِهِ الخَتنُ، فَفِي الصَّحِيحَينِ وَغَيرِهِمَا أَنَّهُ اختَتَنَ، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَمَن لَا يُطِيقُهُ، لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَيسَ مِن أَهلِ الوُجُوبِ وَمَن لَا يُطِيقُهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ.
وَيُستَحَبُّ أَن يُختَنَ فِي السَّابِعِ مِن وِلَادَتِهِ لِأَنَّهُ ﷺ خَتَنَ الحَسَنَ وَالحُسَينَ يَومَ السَّابِعِ مِن وِلَادَتِهِمَا، رَوَاهُ البَيهَقِيُّ وَالحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الإِسنَادِ، إِلَّا أَن يَكُونَ ضَعِيفًا لَا يَحتَمِلُهُ فَيُؤَخَّرُ حَتَّى يَحتَمِلَهُ.
وَأُجرَةُ الخَتنِ وَمَا يُتَكَلَّفُ عَلَيهِ يُؤخَذُ مِن مَالِ الوَلَدِ المَختُونِ لِأَنَّهُ مَصلَحَتُهُ، فَإِن لَم يَكُن لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَن عَلَيهِ مُؤنَتُهُ.
وَمَذهَبُ مَالِكٍ وَغَيرِهِ مِنَ الأَئِمَّةِ أَنَّهُ غَيرُ وَاجِبٍ عَلَى الذَّكَرِ وَالأُنثَى وَإِنَّمَا هُوَ سُنَّةٌ، وَمِن هُنَا يَنبَغِي التَّلَطُّفُ بِمَن يَدخُلُ فِي الإِسلَامِ وَهُوَ غَيرُ مُختَتِنٍ، فَلَا يَنبَغِي أَن يُكَلَّمَ بِذَلِكَ إِن كَانَ يُخشَى مِنهُ النُّفُورُ مِنَ الإِسلَامِ.
وَالخِتَانُ يُسَاعِدُ عَلَى رَفعِ الجَنَابَةِ لِأَنَّ الجِلدَ إِذَا كَانَ مُغَطِيًّا لِرَأسِ الذَّكَرِ لَا يَصِلُ المَاءُ إِلَيهِ بِسُهُولَةٍ، لِأَنَّ هَذِهِ الجِلدَةَ مُلتَصِقَةٌ بِالحَشَفَةِ مُغَطِيَّةٌ لَهَا، وَأَحيَانًا يَتَلَوَّثُ هَذَا المَوضِعُ بِالبَولِ إِذَا لَم يَكُنِ الشَّخصُ مُختَتِنًا.
الخاتمة
إِذَا تَأَمَّلَ الوَاحِدُ مِنَّا فِي هَذِهِ الأَحكَامِ عَرَفَ قَدرَ الِاهتِمَامِ الَّذِي أَولَاهُ الشَّرعُ لِلأَولَادِ، فَهُم مَن سَيُكمِلُونَ الدَّربَ بَعدَ الآبَاءِ، فَإِن كَانَ الوَلَدُ صَالِحًا كَانَ المُستَقبَلُ مُشرِقًا وَاعِدًا، وَكَانَ الأَمَلُ عَلَى هَؤُلَاءِ الأَولَادِ فِي أَن يَنصُرُوا الدِّينَ وَيَبنُوا الأَوطَانَ، وَأَمَّا إِن لَم يَكُنِ الأَولَادُ صَالِحِينَ فَبِالغَالِبِ لَن يَكُونَ هُنَاكَ خَيرٌ فِيمَا سَيَفعَلُونَهُ، لِذَلِكَ اهتَمَّ الشَّارِعُ بِأَن يَضَعَ الأَحكَامَ الضَّابِطَةَ لِتَربِيَتِهِم حَتَّى يَتِمَّ الأَمرُ عَلَى الوَجهِ المَطلُوبِ وَتَحصُلَ الفَائِدَةُ المَرجُوَّةُ مِنهُم.
وَاللهُ تَعَالَى أَعلَمُ وَأَحكَمُ، وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
المصادر
هَذِهِ المَسَائِلُ مَجمُوعَةٌ وَمُلَخَّصَةٌ مِنَ:
- القُرءَانِ الكَرِيمِ.
- السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ.
- صَحِيحِ البُخَارِيِّ.
- صَحِيحِ مُسلِمٍ.
- السُّنَنِ الكُبرَى للبَيهَقِيِّ.
- سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ.
- سُنَنُ التِّرمِذِيِّ.
- رَوضَةُ الطَّالِبِينَ وَعُمدَةُ المُفتِينَ للإِمَامِ النَّوَوِيِّ.
- فَتحُ الوَهَّابِ بِشَرحِ مَنهَجِ الطُّلَّابِ للشَّيخِ زَكَرِيَّا الأَنصَارِيِّ.
- الأَذكَارُ للإِمَامِ النَّوَوِيِّ.
- كِتَابُ عَمَلِ اليَومِ وَالليلِ لِابنِ السُّنِّيِّ.